كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:
أقفل باب الترشيح لمركز نقيب المهندسين في بيروت على 14 مرشحاً. ومعظم الترشيحات، حتى الآن، «غير جدّية»، بحسب المتابعين. يرى البعض أن الإسم الذي سيتوافق عليه طرفا «الثنائي» سيكون الأوفر حظاً. بينما يبدو أن مرشح «التيار الوطني الحر»، المدعوم من «حزب الله»، لم يحظَ حتى الساعة بمباركة حركة «أمل». فهل تميل الدفّة في اللحظات الأخيرة لصالح أحد المستقلّين؟ العين على أحد المرشحين الساعين لكسر الأعراف وتحويل بوصلة المعركة من مواجهة سلطة الأحزاب إلى التصدّي لصبغتها الطائفية.
تنتخب النقابة في 14 نيسان المقبل نقيباً مسيحياً (بحسب عرف المداورة)، ورئيساً لكلّ من الفرعين الأول والسابع. المرشحون الـ14 لمركز النقيب، بعد أن رُفض طلب المهندس نقولا شيخاني بسبب عدم تسديده فروقات العام 2023، هم: جورج غانم (مستقل)؛ هيامي الراعي («النقابة تنتفض» سابقاً)؛ جورج الخوري (مستقل)؛ أنطوان فواز (مستقل)؛ بيار جعارة («القوات»)؛ راشد سركيس (مستقل)؛ طانيوس بولس (مطروح من قِبَل «القوات»)؛ جوزف مشيلح («النقابة تنتفض» سابقاً)؛ محمود حيدر (ترشيح لكسر العرف)؛ ميشال الخوري (مطروح من الجامعة اللبنانية)؛ طوني مراد (الحزب الشيوعي)؛ رولان كامل (مستقل)؛ فادي حنا («التيار») وروي داغر («مصمّمون»).
نجول في الفترة الفاصلة عن الانتخابات على أبرز البرامج الانتخابية المطروحة والرؤى المستقبلية لتدبير شؤون النقابة والنهوض بها مجدداً.
البداية مع المهندس جورج غانم الذي أطلق حملته الانتخابية تحت شعار «النقابة أولاً». مهندس مستقلّ وملتزم بقضايا المهنة والمهندسين. صاحب مسار لأكثر من 30 سنة في الشأن الهندسي والنقابي والبلدي حيث انتُخب عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية خريجي معهد الهندسة العالي بين العامين 1992 و1998. في العام 1998، تمّ انتخابه عضواً في مجلس نقابة المهندسين لدورتين متتاليتين وكان رئيساً للفرع الخامس (المهندسون المتعهدون). ثم انتُخب أميناً للسرّ في العام 1999 حيث أقرّ مشروع الإعداد الإلزامي للمهندسين كما مكننة عملية الفرز في الانتخابات النقابية، وأطلق لجنة الشؤون البلدية واضعاً كتاباً خاصاً لمشروع تعديل وتحديث قانون البلديات. انتُخب رئيساً لبلدية نهر ابراهيم – جبيل في العام 2004. وحاول الترشّح لمركز النقيب في العام 2017 قبل أن ينسحب ليترشح مجدداً في الانتخابات الحالية.
في لقاء مع «نداء الوطن»، يشدّد غانم على استقلاليته وينحصر انكبابه على الملفات النقابية إذ ليس ثمة علاقة للسياسة بالعمل النقابي سوى في فترة الانتخابات. «سقف النقابة مصلحتها، وكوني غير مرتبط بأي جهة حزبية، أرى أن كل الأطراف هي مصدر غنى بتجاربها وانتماءاتها، لكن نحن اليوم أحوج ما نكون لتفعيل هذا الغنى لمصلحة النقابة. فالأخيرة بحاجة إلى مختلف مكوّناتها ولكن بشكل غير استئثاري. لقد نسجت علاقة متوازنة مع كافة الأحزاب خلال ترؤسي بلدية نهر ابراهيم. حدود اتصالاتي مع كافة الأحزاب هي قناعتي وكرامتي». غانم دعا للتمييز بين ثلاثة أطراف تتنافس على مركز النقيب: الأحزاب، المستقلون تماماً، والمتفرّعون عن «النقابة تنتفض» التي وُلدت من رحم «17 تشرين» وبعض التيارات الأخرى.
«نقص الخبرة» هو العنوان الرئيس الذي وضعه غانم للعهدين السابقين، حيث رأى أن على النقيب أن يتمتّع بشخصية قيادية لإدارة شؤون 66 ألف مهندس منتسب للنقابة. «نقابتنا هي الأكبر في لبنان، ورئاستها تتطلّب تراكُم خبرة ومعرفة وشغف بالشأن العام. المسيرة المهنية ليست كافية. لا أعتبر نفسي الأعلم بين المهندسين لكنني من بين القادرين على بلورة أرضية مشتركة بين المهندسين وأعضاء المجلس لاتخاذ القرارات، وهذا ما غاب عن مجلس النقابة الحالي». صحيح أن «النقابة تنتفض» جرفت معها فكرة الأحزاب لكن نقص الخبرة والتطلعات، كما عدم التمكن من بلورة قناعات وبرنامج مشترك، جميعها عوامل ساهمت في تراجعها و»فوشة» الأحزاب مجدداً. ويسأل غانم: «ما هي الجهود التي بذلتها النقابة لاستعادة أموالها من المصارف، وأين المراجعات القانونية كما التحركات التي كان يُفترض القيام بها لهذا الغرض؟ الموضوع المالي هو من أبرز النقاط في برنامجي الانتخابي لأن هذه الأموال من حقّ المهندسين».
هو يتطلّع لإدخال تعديلات أساسية على قانون النقابة الذي وُضع منذ أكثر من ربع قرن، تطال تعديلاً في الفروع وإضافة اختصاصات جديدة التي ليس مقبولاً إلحاقها بالفرع السابع (الزراعي)، كما يحصل راهناً. إضافة إلى إعادة النظر بآلية الانتخابات وتخفيض عدد العمليات الانتخابية من تسع كل ثلاث سنوات – تطال الفروع ومجلس المندوبين والمكاتب ومجلس النقابة – إلى عملية واحدة سنوياً. كما شدّد غانم على فتح مراكز النقابة الأربعة، إضافة إلى المركز الرئيسي في بيروت، لإجراء الانتخابات، ما يرفع نسبة الاقتراع ويحفّز المهندسين على المشاركة ويسرّع عملية الفرز. وبالنسبة للشهادات الهندسية، قال: «لا يمكن لأحد أن يفرض علينا قبول مهندس حاصل على شهادة من كليات غير معتمدة. حين كنت أميناً للسرّ، أقرّيت مشروع الإعداد الإلزامي للمهندسين الجدد لتعريفهم على نظام النقابة. لكن، للأسف، توقّف العمل بذلك بعد مغادرتي المنصب».
يتابع غانم لافتاً إلى ضرورة العمل على أن تتفرّع عن هيئة المندوبين (التي تضمّ حوالى 600 مندوب يجتمعون لمرتين فقط في السنة) لجان تشمل مهامها درس المواضيع المحالة إليها من مجلس النقابة لإبداء الرأي. كما يجب العمل على قطع الحساب وإقرار الموازنة قبل بدء السنة المالية في الأول من آذار من كل عام. وعرّج على ضرورة استثمار أموال النقابة في مشاريع تساهم في زيادة إيرادات صندوق التقاعد. «من غير المقبول أن يتدنى الراتب التقاعدي إلى 165 دولاراً للمتقاعد، ولم يعد مسموحاً أن يكون المهندس «كبش المحرقة» في الزيادات التي تُفرض عليه. من حقّنا المطالبة بنسبة الـ20% التي على وزارة المالية تسديدها للنقابة من رسم ضريبة الدخل الذي يدفعه المهندس للوزارة. فأين هي هذه الأموال؟».
لدور النقابة الوطني حصته أيضاً، إن تفعيلاً لمشاركتها في المجلس الأعلى للتنظيم المدني عبر وضع الخرائط الخاصة لترتيب الأراضي، أو تعاوناً مع البلديات في ما خصّ موضوع السلامة العامة للمنشآت والأبنية (لا سيّما ما يتعلّق بالزلازل)، من خلال إنشاء مراصد خاصة في المناطق لمتابعة تطبيق المراسيم وإطلاق ثقافة التحكيم في العقود الهندسية وإلزامية تطبيقها في نظام تسجيل المعاملات. فهل تبقى هذه الشعارات حبراً على ورق أسوة بما سبقها من برامج انتخابية وكيف تبدو المعركة الانتخابية؟ «النقابة أولاً، ولا سياسة تعلو على مصلحتها. نحن في زمن القرار وقد اكتسبت خبرة كافية خلال مسيرتي تمكّنني من اتخاذ القرارات المناسبة بعد التواصل مع جميع الأطراف. لا شكّ أن المعركة ليست سهلة. فهي في توازن غير مستقر. لا أرى حتى الساعة أي أرجحية لفريق على آخر، وقد نكون أمام منافسة غير معروفة النتائج سلفاً»، كما يختم غانم.
الدكتور المهندس محمود حيدر، منسّق عام «تحالف الاجتماع من أجل دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والكفاءة» والرئيس السابق لرابطة موظفي الإدارة العامة، القيادي السابق في هيئة التنسيق النقابية وعضو هيئة مراقبة الصندوق التقاعدي في نقابة المهندسين، لفت بدوره في اتصال مع «نداء الوطن» إلى أن ترشحه جاء على قاعدة الأنظمة الداخلية والأساسية للنقابة والتي لا تنصّ على أعراف اخترعتها الأحزاب الطائفية بما يؤمّن مصالحها. «الرسالة من ترشيحي هي تحويل الصراع داخل النقابة من صراع محاصصة بين ممثلي أحزاب السلطة إلى صراع بين المهندسين أتباعهم، من جهة، وبين المهندسين الذين يؤمنون بالمواطنة والعدالة الاجتماعية والكفاءة. ذلك رغم أن موازين القوى ما زالت لمصلحة أحزاب الطوائف السلطوية على حساب القوى غير الطائفية والعلمانية. فما همّي لو كان النقيب مسيحياً أو مسلماً؟ المهم أن يكون كفوءاً وصاحب خبرة إدارية ومالية ونقابية ويستطيع تأمين مصالح المهندسين وتطوير مهنة الهندسة والنقابة ويولي اهتماماً خاصاً بالمتقاعدين». حيدر اعتبر أن ما حصل مع سلطة الأحزاب الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الكارثة، انعكس الأمر ذاته مع أتباع هذه الأحزاب داخل النقابة ما أدّى إلى الحالة الصعبة التي تعيشها حالياً. وما اعتصامات المتقاعدين بعد أن تقلّص راتبهم من 900 دولار إلى 165 دولاراً سوى دليل على ذلك.
ويكمل: «على صعيد البلد، راحت المصارف تقرض الدولة مقابل فوائد مرتفعة لجني أرباح خاصة لأصحاب هذه المصارف ومجالس إدارتها بدلاً من استتثمار الودائع في القطاعات الإنتاجية. نفس السيناريو كرّرته غالبية المجالس التي توالت على النقابة حيث وُظّفت أموال الأخيرة – التي تزيد عن 300 مليون دولار – في المصارف مقابل فوائد بدلاً من استثمارها في مشاريع إنتاجية، وحصل ما حصل». نسأل عن نسبة التفاعل مع ترشحه، فيراها محدودة جدّاً كون أكثرية القوى الفاعلة تابعة لأحزاب السلطة. هو ينوي وسيحاول لمّ شمل قوى «الانتفاضة» ودعوة كافة مرشحيها إلى مناظرة لاختيار الأجدر بينهم على قاعدة الكفاءة والخبرة، لا على قاعدة الأعراف المخالِفة لأنظمة النقابة. «انتفاضة «17 تشرين» جمعت بين قوى متعددة. منها أساسية كانت موجودة قبلها وأخرى نشأت معها. ناهيك بقوى كانت على علاقة بجهات خارجية وأخرى تابعة لأحزاب الطوائف. تجمّعت جميعها في الانتخابات السابقة للنقابة وأوصلت نقيباً وتسعة أعضاء إلى مجلس النقابة لكنها فشلت في تحقيق ما وعدت به في برنامجها، ربمانتيجة الظروف الصعبة التي مرّت بها النقابة أو نتيجة قلّة الخبرة لدى الأكثرية. برأيي، كان الأمر يتطلّب المزيد من التأنّي والدرس واختيار الأفراد أصحاب الخبرة في العمل المالي والإداري. هذه التجربة غير الناجحة قدّمت خدمة إضافية لأحزاب السلطة والطوائف، كما أثّرت علينا سلباً، نحن القوى الأساسية في الانتفاضة».
الصورة التي تخيّم على معركة انتخاب نقيب المهندسين يكتنفها الغموض. فماذا سيكون خيار «الحركة» في حال أصرّت على رفض مرشح «التيار» في وقت تسعى جاهدة لـ»كسر» مرشح «القوات»؟ وما هي خيارات «الإشتراكي» غير المتحمّس لكلا المرشحّين في وقت أظهر «المستقبل» تواجداً خجولاً على أرض المعركة؟ هناك من يعتبر أن مرشح «النقابة تنتفض» (سابقاً) يعمل لتحسين موقعه التفاوضي لا أكثر. فهل تميل الدفة في اللحظات الأخيرة إلى أحد المستقلّين أو… العلمانيين؟