كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
آخر بدع الشيخ نعيم قاسم ماقاله مؤخرا، «اي وطني في لبنان، يجب أن يكون في صف المقاومة»، ومن لا يقف مع المقاومة، لايكون وطنيا»، وحتى تكون وطنيا يجب أن تحمي حدودك الجغرافية».
يريد قاسم أن يكون الناس من غير حزبه وتبعيته، في صف المقاومة قسراً، في المواجهة التي اشعلها الحزب مع إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، اي قبل ما يقارب الستة اشهر، بدافع التضامن مع غزّة واشغال قوات الاحتلال الاسرائيلي عن الحرب العدوانية التدميرية ضد الشعب الفلسطيني.
هكذا، ببساطة تولى قاسم تحديد معنى الوطنية اللبنانية ومواصفاتها، والمؤهلين للانتساب اليها، واوكل لنفسه كعادة بقية قيادي الحزب تصنيف اللبنانيين وتحديد ولاءاتهم، استنادا إلى مواقفهم وتعاطيهم مع ممارسات وارتكابات الحزب بالداخل والخارج، وتنسيب المؤيدين والمصفقين الماجورين، الى مصاف «الوطنيين»، ورمي المعترضين والرافضين للحرب وتوريط لبنان، بموبقات العمالة المزعومة للعدو الاسرائيلي.
هذه المرة، بدّل قاسم قذف كل من لايقف مع المقاومة، في اشعال حزب الله جبهة الجنوب اللبناني مع العدو الاسرائيلي، لاشغال قوات الاحتلال الاسرائيلي عن المشاركة في معركة غزّة، بتهم العمالة المزعومة للعدو الاسرائيلي، بتوصيف أقل حدة لهؤلاء المعترضين، مكتفيا بعبارة « غير الوطني»، وكأنه يتذاكى عليهم، بعدما فقد الحزب كل مبررات اقناعهم بصوابية، خوض هذه المواجهة المحتدمة التي تضع لبنان في مهب مخاطر وتداعيات خطيرة غير محسوبة.
لو شارك الشيخ قاسم وحزبه اللبنانيين، بقرار اشعال حرب الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل، تضامنا مع غزّة، انطلاقا من مشاركة الحزب بالسلطة، واستنادا للدستور، وحرصا على مصلحة لبنان والدفاع عنه، لكان بإمكانه ان ينتقد ويصنّف الرافضين والمعترضين، باللاوطنيين والمقصرين وغير ذلك من الاوصاف.
اما ان يتفردالحزب باشعال حرب الحدود الجنوبية اللبنانية، من جانب واحد، وبمعزل عن قرار الدولة اللبنانية وسلطتها، وخارج إرادة اكثرية المكونات اللبنانية، وبايعاز من ايران ولمصالحها، وتحت اي شعار ظاهري فضفاض، فهذا ينزع منه ومن حزبه، اي صلاحية معنوية او مادية لتصنيف اللبنانيين، بين وطنيين لانهم يؤيدون الحزب وممارساته، وغير وطنيين، لانهم يرفضون اشعال المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وتعريض لبنان للخراب والدمار.
ولكن سها عن بال قاسم هذه المرة، ان كل من تنطبق عليه، لا وطنية حزبه المرفوضة، هم الغالبية الساحقة من اللبنانيين، الذين يجاهرون علنا، برفض الحرب، خارج حدود لبنان، الذي يدعي زورا، انه يدافع عنها هذه المرة، وهي لم تكن كذلك عندما يستبيحها متى يشاء، أكان في ارسال مقاتلي الحزب ومعداتهم للدفاع عن نظام بشار الاسد الديكتاتوري القاتل لشعبه، وتغيير معالم وتركيبة سوريا الديموغرافية، والمشاركة بالحروب الطائفية والمذهبية في العراق واليمن، واستهداف امن دول الخليج العربي.
تجاهل الشيخ نعيم قاسم أن اللبنانيين باكثريتهم الساحقة، متضامنون مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الحرب الإسرائيلية الاجرامية ضده، وهم يدعمون صموده، فيما يتعرض له من عدوان إسرائيلي واسع النطاق، ولكن الفارق بينهم وبين الحزب، انهم يرفضون الزج بوطنهم في مجاهل حروب إسرائيلية ظاهرها، ولاهداف ايرانية مكشوفة، ولو كانت شعاراتها الظاهرية تدغدغ مشاعر الناقمين على الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية المتواصلة ضد اخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية.
لم يكن الشيخ نعيم قاسم موفقا في نعت الذين يرفضون دعم المقاومة باشعال جبهة الجنوب، باللاوطنيين، لانه تصنيفه هذا، شمل معظم اللبنانيين الرافضين للحرب علانية، فيما كان الاجدى له الإقلاع عن هذه النعوت والتوصيفات الممجوجة، ودعم الشعب الفلسطيني، انطلاقا من المصلحة الوطنية اللبنانية، وليس لمصلحة تحالفه او ولائه لإيران واهدافها الاقليمية على حساب لبنان وسيادته واستقلاله.