كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
«يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً»، بهذه الآية الكريمة يصف موسى دياب الموسى حاله في شهر رمضان، وهو بعيد عن بيته في بلدة البستان الحدودية بعدما نزح إلى أحد مراكز الإيواء في مدينة صور منذ التصعيد العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية قبل أكثر من خمسة أشهر.
داخل المدرسة المهنيّة الرسميّة التي تمّ تحويل الطبقة الأرضيّة منها الى مأوى للنازحين من بلدته البستان، ومن بيت ليف وعيتا الشعب وغيرها، حصل الموسى على غرفة صغيرة باتت كل منزله ودنياه، غرفة نوم ومطبخ وصالون ومونة، يقول لـ»نداء الوطن»: «في شهر رمضان المبارك نصلّي ونصوم وندعو الله أن يوقف الحرب ونعود الى بيتنا لتجتمع العائلة مجدّداً».
«رمضان هذا العام يأتي مختلفاً، فقدنا اللمّة العائلية على موائد الفطور والسحور معاً»، يضيف الموسى «لقد شتّتت الحرب العائلة، وفرّقتها ولم تعد تتجمّع حول طاولة واحدة في ظل النزوح، تفرّقنا أنا هنا في المدرسة مع ابني وابنتي وأحفادي، في حين يقيم ابني الثاني في العاقبية مع أولاده، وابني الثالث في الكوثرية، والرابع في العباسية والخامس مع زوجتي في البلدة حيث ما زالوا يهتمون بالمواشي هناك». ويضيف: «ألمساعدات الإنسانية في المركز شحيحة للغاية مقارنة بما نحتاج إليه مع وجود عشرات العائلات هنا، لا وجود لأي مطبخ ودورات المياه مشتركة ولا خصوصية، لقد تحولت غرفة كل واحد منا بيتاً كاملاً بعدما امتلأت الصفوف بالنازحين الذين فرّوا من القصف الإسرائيلي العشوائي».
يحاول الموسى الذي يعتمر كوفيّته المرقّطة باللونين الأبيض والأسود، قهر الوقت، يقضيه بالتسبيح والصلاة والدعاء، ويؤكد «أعيش في قلق دائم وخوف من تعرّض عائلتي لأي مكروه بين الحين والآخر، وعندما أعلم بالقصف الإسرائيلي على القرى الحدودية، اتصل بزوجتي وأبني كي أطمئن اليهما وأعرف أخبار البلدة وما جرى فيها على أمل الفرج وانتهاء الحرب قريباً. فقد احترق الكثير من البيوت والمنازل في البلدة أو تضرّر بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، نحن نعرف أن الاحتلال الإسرائيلي عندما يتعرّض للخسارة أو للهزيمة ينتقم بارتكاب المجازر وقصف المدنيين العزّل، لذلك نزحنا حفاظاً على أرواحنا وعائلاتنا».
وتأوي مدينة صور أكثر من 23 ألف نازح من نحو 40 بلدة حدودية عند الخط الأمامي، هربوا من القصف الإسرائيلي، وتوزّعوا على 5 مراكز إيواء في مدارس رسمية وخاصة أعدّتها وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات صور وهي تضمّ اليوم نحو 800 شخص، بينما لا يزال الباقون يقيمون لدى أقارب لهم، أو استأجروا بيوتاً في مناطق الجنوب الأكثر أمناً أو في بيروت، وينتظرون وقف الحرب للعودة إلى قراهم.
في المركز يعلو الضجيج ليكسر صوت السكون، حركة النازحين لا تهدأ بين دخول إلى غرفهم والخروج الى الباحة لاستقبال وافد يطمئنهم عن حال قراهم ومنازلهم. ويقول حسين سرور الذي نزح من عيتا الشعب لـ»نداء الوطن»: «البلدة نالت نصيباً كبيراً من القصف والتدمير، ما أجبر غالبية العائلات على النزوح حفاظاً على حياتهم وقد تركوا منازلهم فارغة وأرزاقهم في ذروة حصادها. اليوم نعيش مرارة النزوح مضاعفة كوننا في شهر رمضان المبارك، وله في نفوسنا طقوس وعادات محددة، وبدلاً من العيش في منزل أصبحنا نقيم في غرفة واحدة وباردة، وبدلاً من إعداد الطعام والشراب الذي نريد، بتنا ننتظر وجبات الفطور والسحور وبما تيسّر لسدّ رمق جوعنا بعدما صرفنا كل ما نملك من أموال»، مشيراً إلى أن أكبر معاناة هي انقطاع التيار الكهربائي، حيث نضطر لإضاءة مصابيح البطاريات أو الهواتف لقضاء حوائجنا».