كتب منير الربيع في “المدن”:
تطور بارز حملته زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. في الشكل قبل المضمون. إذ ليس من الأمر التفصيلي أن يجري حزب الله زيارة إلى الإمارات بعد انقطاع طويل في العلاقات، وبعد اتهامات كثيرة ساقها الحزب للإمارات حول العلاقة مع إسرائيل، ووصفها بمدن الزجاج. طائرة خاصة حطت في مطار بيروت أقلت صفا إلى هناك، للبحث في ملف الموقوفين. حتى الآن لا يزال هناك إصرار على إدراج الزيارة في خانتها الأمنية فقط. ولكن أي اتفاق أمني لا بد له أن يمرّ بطرقات سياسية كثيرة، ولا بد له أن يعبد المزيد من الطرقات أيضاً، خصوصاً في ظل التحولات الكبيرة التي تمر بها المنطقة.
مسار السعي لإطلاق سراح الموقوفين اللبنانيين في الإمارات أُطلق قبل فترة، وقد مرّ بمراحل كثيرة، بدءاً من العام 2021 إلى عام 2023 وصولاً إلى اليوم. ففي العام 2021 حصل تواصل بين الحزب ودولة الإمارات عبر جهات متعددة لإطلاق سراح المعتقلين. وتم إطلاق سراح عدد من غير المحكومين، واتفق على استكمال المسار الذي عاد وتعرقل لاحقاً. وفي سنة 2023 تم إطلاق سراح 6 موقوفين أيضاً، بعد وفاة الموقوف غازي عز الدين. أما الزيارة الحالية، فحسب المعلومات، هي تمتد على مسار طويل من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة. وحسب المعلومات، هناك جهات لبنانية كانت مشاركة في التواصل. كما تفيد المعلومات بأن إيران على علم ودعم لهذا المسار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النظام السوري ورئيسه بشار الأسد شخصياً، الذي كان له دور أساسي. وبعض المعلومات القريبة من الحزب تصف الزيارة بأنها أتت بعد ضمانات تلقاها الأسد حول الأجواء الإيجابية لإطلاق سراح الموقوفين المحكومين، والذين يحتاجون إلى عفو لإطلاق سراحهم.
يعدّ هذا المسار استكمالاً لمسار انفتاحي تسلكه الإمارات منذ فترة، باتجاه إيران وباتجاه دمشق. هنا تجدر الإشارة إلى زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قبل أشهر إلى الإمارات ولقاء رئيسها الشيخ محمد بن زايد. في تلك الزيارة طلب ميقاتي من الإمارات تسهيل إصدار التأشيرات للبنانيين، والعودة إلى فتح السفارة في بيروت، وإطلاق سراح الموقوفين. وُعِد ميقاتي خيراً، ولكن حصلت تطورات مع عملية طوفان الأقصى، فيما بقيت الإمارات على مسار تقاربها مع إيران ومع دمشق، وعملت على تعزيز حضورها في سوريا. هنا يأتي دور لبنان، إذ أن تعزيز الوضعية في سوريا يحتاج إلى تعزيز الحضور في لبنان أيضاً، انطلاقاً من العلاقة مع حزب الله ومع القوى اللبنانية الأخرى.
في العام 2021 أيضاً، ومع مسار الانفتاح، ترددت معلومات لبنانية وديبلوماسية حول استعداد الإمارات للعب دور أساسي في ملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان. ولكن فيما بعد تراجع هذا الحديث، خصوصاً في ظل دخول قطر على خطّ المشاركة في كونسورتيوم التنقيب في الجنوب. ولكن حالياً تشير بعض المعلومات إلى أنه في حال الوصول إلى تفاهمات وتقدم مسار العلاقات بين الإمارات ولبنان، يمكن أن يتجدد البحث في دخول الإمارات إلى الاستثمار في الغاز في حقول أخرى مستقبلاً.
قبل فترة، قال المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، إن أميركا معنية بالعمل على وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية والحصول على دعم خليجي لتعزيز وضع الجيش في الجنوب. من يعرف في الأدبيات والخلفيات الأميركية، يدرك أن هوكشتاين لم يكن يقصد السعودية لدى استخدام عبارة “دعم دول الخليج”، بل كان يقصد دولاً أخرى، وبالتحديد قطر والإمارات. وهنا تجدر الإشارة إلى العلاقات المتقدمة بين الجانبين، وآخرها زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد إلى قطر ولقائه بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. أولاً لتعزيز وضع الجيش وتكريس الإستقرار، وبعدها فتح المجال أمام الإستثمارات من قبل الجانبين.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن أحد العاملين على ترتيب زيارة وفيق صفا إلى الإمارات هو رجل أعمال لبناني يعمل في مجال تسليح الجيوش، ويمتلك شركة أسلحة، وسبق له أن عمل على توفير أسلحة ولوازم عسكرية للجيش اللبناني. هناك من يعلق على زيارة صفا إلى الإمارات بالقول: “الزيارة لها خلفيات أمنية وأكثر”. تبقى الأيام هي الكفيلة في إظهار ما هو هذا الأكثر، الذي يمر من بيروت إلى صنعاء وما بينهما دمشق وغزة، في ظل البحث على إعادة ترتيب الوضع في المنطقة، ولا سيما في ظل الترابط ما بين الوضع في غزة وفي جنوب لبنان.