كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يستكمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عمله لتوحيد الرؤية المسيحية. وتشهد بكركي اجتماعات بين ممثلين للقوى المسيحية الأساسية. وينطلق عمل بكركي من مبدأ الحفاظ على لبنان الذي بناه المكوّن المسيحيّ وجعله نقطة اِلتقاء الشرق والغرب.
وإذا كان ملفّ رئاسة الجمهورية هو الأبرز على طاولة بكركي والديبلوماسيين العرب والأجانب، إلا أنّ البطريرك الراعي يرى الخطر داهماً، والأمر لا يتعلّق بالمواقع المسيحية فحسب، بل بوجود الكيان ودوره ومحاولة أخذه إلى محور «الظلام» بعدما كان منارة الشرق.
أمس شهدت بكركي جولة جديدة من اللقاءات المسيحية. وقد تمّ التحضير لورقة سياسية تمّ تداولها بين القوى المسيحية، واستوحاها البطريرك الراعي من مئوية لبنان الكبير ودور البلد. وذهب الراعي بعيداً في تفكيره فرفض حصر النقاشات بالمواضيع الآنية، بل ذهب عميقاً الى سؤال: أي لبنان نريد؟
وأمام الإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية وتراجع الحضور المسيحي والخطر الداهم من تفرّد مكوّن لبناني مدعوم من الخارج بقرار السلم والحرب، اكتملت رؤية الراعي للمواضيع الأساسية، فتكوّنت الورقة التي ناقشتها أمس القوى المسيحية.
واللافت في الاجتماع حسب أحد النواب «الفكهاء» هو طبيعة الحضور المسيحي، فعند تسريب خبر الاجتماع الأوّل، قيل إنها ورقة مارونية وستناقشها القوى المارونية، وإذ بأكثر من نصف الحاضرين هم أرثوذكس من الكورة، فممثل حزب «القوات اللبنانية» الذي يعتبر أكبر حزب مسيحي هو ابن الكورة النائب فادي كرم، وممثل «التيار الوطني الحرّ» هو نائب الكورة أيضاً جورج عطالله إلى جانب المستشار أنطوان قسطنطين، وممثل النائب نعمت إفرام ابن كسروان «عاصمة الموارنة» هو المحامي حبيب شارل مالك ابن الكورة أيضاً. في حين مثّل حزب الكتائب اللبنانية ساسين ساسين، ومثّل حركة «الاستقلال» المحامي إدوار طيّون، وحضر عن حزب الوطنيين الأحرار أمينه العام فرنسوا زعتر.
وللمرّة الثانية على التوالي يغيب «تيار المردة» عن الاجتماع وكأنه اختار القطيعة مع بكركي ويغرّد خارج سرب المسيحيين. وحاول راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم التواصل مع رئيس «المردة» منذ شهر، لكن لا جواب من النائب السابق سليمان فرنجية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام عن قراره، وكيف يقاطع اجتماعاً مهماً كهذا؟ ألا يهمّه الشأن المسيحي والوطني؟ وهل هناك كلمة سرّ من «الثنائي الشيعي» طلبت من «المردة» عدم الحضور لضرب هذا اللقاء؟ وكيف يمكن لمرشح رئاسة الجمهورية الذي هو أعلى منصب مسيحي في لبنان والشرق عدم الردّ على بطريركيته؟ وهل بات ابن زغرتا لا يمنح بكركي اعتباراً؟
وفي ظلّ غياب «المردة»، عُقد اللقاء ودارت نقاشات في الاجتماع الذي ترأسه البطريرك الراعي شخصياً، وتمّ عرض ما تضمّنته الورقة من دور لبنان منذ التأسيس وصيغته والخطر على وجوده، والدور المسيحي والشراكة الوطنية وخطر إفراغ المواقع المسيحية، والتزام لبنان الشرعية الدولية وإعادة العلاقات مع الدول العربية، وعدم تحويله دولة دينية والتصدّي لكلّ محاولات تغيير وجهه، وأهمية صون الحضور الديموغرافي والجغرافي المسيحي، والتمسّك بالمناصفة وتطبيق روحية «اتفاق الطائف»، ودعم الدولة ورفض الدويلات وحصر السلاح في يد الجيش والقوى الشرعية ومنع انفلاش سلاح الميليشيات اللبنانية والفلسطينية. ويحضر موضوع خطر توطين الفلسطينيين وانفلاش السوريين كأولوية على الأجندة المسيحية.
غادر المجتمعون بكركي والأجواء إيجابية ومساحة التقارب تتوسّع بين الأفرقاء، حتى موضوع السلاح غير الشرعي لم يكن عقبة، بل توجد نيّة عند الأغلبية الساحقة من المسيحيين بالاتفاق على الأخطار الكبرى رغم الخلافات السياسية.
وينتظر أن يدعو البطريرك الراعي إلى اجتماع آخر، ومن المرجّح عقده بعد عيد الفصح لاستكمال النقاشات والخروج بورقة موحّدة تجيب عن كل الهواجس المسيحية والوطنية.