كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
كلما تأزمت الامور وتعقدت على الساحة اللبنانية، تتجه الأنظار الى الخارج علّه يمدّ يد العون وينقذ لبنان من أزماته التي عجز عن حلّها الأفرقاء المحليون واستعصت على كبار السياسيين. ومن هناك بدأ السؤال يتبادر الى أذهان البعض عما إذا كانت فكرة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية مطروحة في المحافل الدولية؟
السفير السابق في واشطن رياض طبارة يستبعد الفكرة ويؤكد لـ”المركزية” ان “الوصاية الدولية قضية كبرى، وليست مجرد إجراء بسيط. فإذا اجتمع مثلا مجلس الامن وقرر ان بلدا معينا في حالته الحاضرة يشكل خطرا على الامن والسلم الدوليين ويجب وضعه تحت إشراف الامم المتحدة، عندها يضعونه تحت الفصل السابع ويرسلون جيشاً. لكنني لا أعتقد ان فكرة وضع لبنان تحت الوصاية الدولية مطروحة على الطاولة”.
هل يمكن تطبيق الامر في بلد يسوده الفساد وهدر المال العام وعدم انتظام مؤسساته، يجيب: “كلا، لا أعتقد ان أحداً يتقدم بطلب وصاية إلا إذا كان البلد في حالة تهدد الأمن الدولي”.
أما عن الفكرة التي طرحتها بكركي منذ فترة حول الحياد الايجابي وتدويل لبنان لايلائه اهتماما ورعاية دولية، فيعتبر طبارة ان الفكرة تقتضي حصول توافق دولي لتحييد لبنان. لكن ما معنى تحييد لبنان؟ في حال طلبت الولايات المتحدة من لبنان أمرا مهما بالنسبة إليها، هل يجيبها لبنان بأنه على الحياد، لأنها حينها ستقوم بإلغاء كل المعاملات الدولية بالدولار وتمنعنا من التداول. الحياد صعب. لبنان يقف على الحياد لكننا نحتاج الى الدول الاخرى ان تدعم حيادنا أيضاً، ولا تتدخل في أمورنا وتجبرنا على القيام بأعمال معينة. لبنان بلد صغير لا يمكنه ان يواجه كل دول العالم، هو يحاول قدر الامكان عدم التدخل في أمور لا تعنيه”.
ماذا عن تدويل الملف اللبناني للخروج من أزماتنا، يجيب طبارة: “التدويل يعني الذهاب الى مجلس الامن او الامم المتحدة لاتخاذ قرار معين. مثلاً، لبنان مُدَوّل حتى الآن في الحدود الجنوبية. اتفقت الدول الكبرى على ان هذا الامر يؤثر على الأمن الدولي، ولذلك قررت بموافقة لبنان، إرسال جيش لتهدئة الامور على الحدود، هذا تدويل”.
ويضيف: “يمكن للبنان اعتماد التدويل من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فيكون بذلك قد دوّل قسما كبيرا من اقتصاده. لكن التدويل بمعنى ان يأتي شخص من الخارج لحكم لبنان، فهذا غير وارد”.
لكن كلبنانيين لا نتمكن من حل أزماتنا، فكيف الحل، يجيب طبارة: “هناك دول كثيرة بقيت في حالة فوضى لسنوات. على اللبنانيين ان يقرروا. الدول تساعدنا، إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك. إذا وجدت الدول الكبرى ان الفوضى في لبنان تؤثر على مصالحم، من الممكن ان تتدخل كما حصل عام 1988، عندما جاء الاميركيون والاسرائيليون ومن بعدهم الاوروبيون لتهدئة الامور في لبنان، لأنهم اعتبروا يومها ان لبنان يهدد الأمن الدولي ويهدد مصالحهم، فاتفقوا على تهدئة الاوضاع، دخلت اسرائيل وخرجت مهزومة، ثم أرسلوا ثلاثة جيوش، الاميركيين والفرنسيين والايطاليين وأيضاً “تبهدلوا” وخرجوا، فقرروا في النهاية ان يسلموا السوريين زمام الامور، وأرسلوا قوات الردع العربية لتهدئة الامور. هذا نوع من التدويل، لكن وضع لبنان تحت وصاية او ان يصبح رئيس الجمهورية او حاكم لبنان غير لبناني فهذا الامر “على المفضوح” وغير ممكن. الوصاية كما كان لبنان بعد الحرب العالمية الاولى تحت الوصاية الفرنسية ليس وارداً.
هل لأن الوضع اختلف عن تلك الفترة؟ طبعا الوضع مختلف، وقتها كانت هناك حرب اهلية دائرة ولم يعد هناك حكومة، واعتبروا ان لبنان في حال اكمل في هذا الطريق سيشكل خطرا على الامن الدولي، وعلى مصالحهم، فاتفقوا بين بعضهم البعض على كيفية حل الامور، لكن في الوقت الحاضر هناك دولة وحكومة، وربما بعد فترة سيكون لدينا رئيس، والدستور يُطبّق على الطريقة اللبنانية. لم يصل لبنان الى حد اعتباره خطرا على الامن الدولي وعلى مصالحهم لدرجة إرسال جيوش أجنبية، خاصة وان تجربتهم مع الجيوش في الماضي لم تنجح. لا اعتقد ان لبنان في حالة تتطلب تدخلا دوليا. حتى عندما كان لبنان في حرب اهلية استلزم الامر مدة طويلة لكي يقرروا حل المشكلة بقوات ردع. لسنا في أجواء حرب”.
ويختم طبارة: “هناك الكثير من البلدان التي تعيش نفس حالة لبنان، واسوأ. ليس شرطاً، كلما عجز بلد عن حكم نفسه او “خبص” في حكمه وديمقراطيته ان تأتي الدول لإنقاذه. الأمر يحتاج إلى قرار من الامم المتحدة ينص على أن البلد يهدد الامن والسلم ومن المفترض ان تتدخل. هذا إذا لم تضع بعض الدول فيتو على القرار. لكن اليوم لا حديث جديا بخصوص لبنان بأكثر من قوات “اليونيفيل”.