كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:
كما هو متوقّع، ترتفع حماوة التحضيرات لمعركة نقيب المهندسين في بيروت بين المستقلّين، من جهة، والمدعومين من الأحزاب، من جهة أخرى. مصادر «نداء الوطن» أكّدت أن حركة «أمل» لن تصوّت لأي من المرشّحين المدعومَين من «القوات» و»التيار». وأشارت إلى أن الحزب «الاشتراكي» سيقاطع التصويت لمركز النقيب حاصراً أصواته بالمرشّحين للعضوية. هي معركة على وقع عودة الأحزاب بسبب فشل نقابة «الثورة» واستفادة من تبقّى من الأخيرة والمستقلّين من تشرذُم الأحزاب. فمن سيكون الأوفر حظاً؟
صحيح أن المعركة السياسية تنتهي بعد ساعات من فرز النتائج لينكبّ الواصلون على العمل النقابي، كما يجمع المتابعون. لكن من غير المنطقي الاستهانة بلعبة التحالفات السياسية لإيصال الأحزاب لمرشّحيها. فحتى الساعة، لم يحظَ «التيار» سوى بأصوات «حزب الله» بعد أن انسحبت «الحركة» من التحالف. أما «القوات» فمتحالفة مع «الكتائب» و»المستقبل»، بينما ليس خافياً أن قدرة الأخير التجييرية تراجعت بشكل ملحوظ بعد تحكُّم أكثر من مرجعية به.
بعيداً عن اللعبة السياسية، ثمة عهد يُسلّم وآخر على مشارف التسلّم. وفي حوزة النقابة حوالى 15 مليون دولار وعلى كاهلها ديون تقارب الـ7.5 ملايين دولار. في حين لا زال مبلغ قيمته 230 مليون دولار عالقاً في المصارف، إضافة إلى آخر قدره 126 مليار ليرة فقد قيمته بسبب تدهوُر العملة. غياب نهج الاستثمار من قِبَل الإدارات السابقة والاتكال على الفوائد المصرفية هو سبب رئيس في ذلك. ليس هذا فحسب، فالتركيز على ملفات وصفها البعض بـ»بالونات هواء»- بدلاً من توفير الجهد لملفات مفصلية- أكّد عدم وجود نية لتحقيق تغييرات جذرية. صحيح أن الثورة فشلت داخل جدران النقابة، لكن ثمة من يتخوّف من ألّا تحمل سياسة الأحزاب، إن استعادت زمام الأمور، تغييراً يُذكر.
«مصمّمون» دون تراجُع
نبدأ مع مرشّح «مصمّمون» («النقابة تنتفض» سابقاً) لمركز النقيب وعضو مجلس النقابة، روي داغر. فقد قال في حديث لـ»نداء الوطن» إن الائتلاف الذي على أساسه خاضت «النقابة تنتفض» معركة العام 2021 كان مبنياً على برنامج انتخابي طويل الأمد وليس على أشخاص. «ما حصل هو اختيار بعض المرشّحين وفقاً لمعايير معيّنة، لكن بعضهم لم يلتزم بالبرنامج. غير أننا، كائتلاف، أكملنا مسيرة متابعة هؤلاء من الخارج وقمنا بنقد ذاتي دون أن نتمسك بمرشّحينا كما يفعل غيرنا. حتى أننا انتقدنا ممارسات النقيب وطالبنا مجلس النقابة بالاستقالة، كما حاسبنا بعض الأعضاء وأمين المال السابق ورئيس الفرع السابع، وسنكمل في محاسبة الآخرين. فإذا أخطأ هؤلاء، ما هو ذنب منتخبيهم؟». لذا، إصراراً منهم على إعادة تصويب برنامج «النقابة تنتفض»، قرّر «مصمّمون» خوض المعركة بالمباشر هذه الدورة بعد أن أتى ترشيح داغر من قِبَل المجموعات المستقلّة التي لا يزال التواصل قائماً بينها.
وحيث يعزو المستقلّون فشل العهد السابق إلى قلّة خبرة الذين استلموا سدّة المسؤولية، نسأل داغر عن خبرته النقابية. فيجيب: «الكثير من الأسماء المرشّحة لهذه الانتخابات لم تكن يوماً في النقابة. والخبرة تأتي من خلال متابعة الملفات النقابية. متابعتي للعمل النقابي منذ العام 2017 ووجودي في مجلس النقابة منذ العام الماضي سمحا لي بإنجاز الكثير من الملفات: من قطع الحساب بشكل مفصّل، إلى إقرار مبدأ صندوق استثماري للنقابة وإنجاز مسودة لنظام هذا الصندوق، فاقتراح حلّ لموضوع عقد الاستشفاء للسنة الحالية. هذا إضافة إلى وضع خطة طوارئ بعد الحرب للاهتمام بالمهندسين على المستويين الأمني والاجتماعي، وقد تمّ إقرارها. ناهيك بإقرار مجلس النقابة إنشاء لجنة تحقيق مالية للتدقيق بالحسابات مع مفعول رجعي». ومن بين الملفات التي لم يتمّ التصويت عليها بعد، هناك ملف تعديل نظام هيئة المندوبين، ومشروع التصويت الإلكتروني الذي لم يُطرح على التصويت حتى الساعة.
فليُحاسَب من خذلنا
من أبرز إخفاقات النقابة الحالية عدم المطالبة بأموالها المحجوزة في المصارف كما التقاعس عن إيجاد حلّ للراتب التقاعدي. «هناك تقصير كبير في موضوع المصارف لكنني أرفض أن نُتّهم نحن به. لقد دعينا كتجمّع مهندسين لاتخاذ خطوات عملية وقمنا بتظاهرات لكن النقيب هو الذي اتخذ قرار عدم التواصل مع مجلس النواب وحاكم مصرف لبنان. كذلك قدّمنا مؤخراً أكثر من اقتراح إلى مجلس النقابة وطلبنا من كافة النواب المهندسين تبنّي هذه القضية كما طالبنا برفع دعوى تسبق دعوى رابطة المودعين ضدّ الدولة حماية لهذه المدّخرات، لكننا في آخر المطاف لسنا نحن (الأعضاء) من يمثّل النقابة على صعيد القرار، ولا يجوز تحميلنا تبعات هذا الإخفاق»، بحسب داغر. أما بالنسبة لملف المتقاعدين فدعا إلى مزيد من الواقعية متسائلاً عن كيفية تأمين راتب لائق بالمتقاعد في ظلّ شحّ غير مسبوق في أموال النقابة. ما الحلّ إذاً؟ «المشكلة في غياب البحث عن مصادر لزيادة الإيرادات وحماية المدّخرات، حيث يجب أن يكون هناك تواصل مباشر مع حاكم المركزي لطرح الأمور كما هي».
نسأل ختاماً عن التدخلات الحزبية في المعركة ومدى صحة إلحاق «مصمّمون» بـ»الثنائي». ويؤكّد داغر عدم الارتباط بأي جهة سياسية رغم الانفتاح على التعاون مع كافة الأطراف. «نتواصل مع مختلف الفرقاء المستقلّين من أجل مشروع نقابي ينحاز إلى المهندس بعيداً عن السياسة. يجب أن تكون السياسة النقابية ذات تأثير على السياسة الحزبية وليس العكس. فالصراع بين الأحزاب لا يفيد النقابة. علينا التلاقي مع الجميع حول أمور نقابية من أجل إنقاذ نقابة على حافة الانهيار». إخفاق الثورة داخل النقابة خلال السنوات الأربع الماضية سبقه إخفاق نقابي حزبي استمرّ لأكثر من سبعين سنة، في ظلّ غياب أي نقد ذاتي أو محاسبة. فهل تنجح محاسبة «الذين خذلونا»، على حدّ قول داغر، في إنقاذ خيار بُني على عناوين ثلاثة أساسية: التضامن والتعاضد والتقاعد من أجل إعادة بناء الصناديق وحماية المهندسين وتنظيم المهنة؟
مستقلّ… ولكن
إلى المرشّح المدعوم من «التيار الوطني الحرّ»، فادي حنا، الذي أصرّ خلال اتصال مع «نداء الوطن» على أنه مستقلّ لا يمثّل سوى نفسه، على قاعدة أن كلّ مهندس تهمّه مصلحة النقابة أولاً هو مهندس مستقلّ. «لا يوجد مرشّحون مستقلّون بين الأسماء المطروحة لمركز النقيب. فجميع من يدّعون الاستقلالية يقصدون الأحزاب ليلاً نهاراً طالبين الدعم. وأسوأ ما في الأمر هم من غابوا منذ سنوات عن الساحة النقابية ليعودوا من جديد «شالحين» عباءتهم السياسية قبل أشهر من ترشّحهم. هؤلاء لا ثقة بهم». وإذ اعتبر حنا أن لكلّ إنسان أكثر من هوية، أكّد أنه بنى ترشيحه، الذي حاز على دعم «التيار»، على أساس هويته المهنية ضمن مشروع يهدف إلى ضبط المالية، مكافحة الفساد، تحصين المهنة، تمكين الإدارة، تحقيق الأمان الصحي والاجتماعي للمهندسين والمهندسات، كما تفعيل المشاركة وتحقيق الاستدامة الداخلية والعامة، توفير الجودة في العلم، إشراك الشباب، التواصل مع الاغتراب والتموضع عالمياً.
خبرة حنا التي اكتسبها من خلال متابعته للعمل النقابي منذ العام 2003 والتي بناها على أرقام وإحصاءات جعلت «الآخرين خايفين من ترشّحي»، على حدّ تعبيره. فقد أتمّ أكثر من 27 إحصاء ليتبيّن أن النقابة تضمّ اليوم حوالى 85 ألف مهندس، 36 ألفاً منهم فقط سدّدوا بدلات الاشتراك. كما أشار إلى وجود 17 جامعة في لبنان تخرّج سنوياً ما بين 1700 و2000 مهندس لا يلبثوا أن ينضموا إلى النقابة. ثم أن 70% من المهندسين المنضوين في النقابة هم دون سنّ الخمسين. «أنا مرشّح «سوبر جدّي» لأنني أتكلم لغة الأرقام، وهذا ما لم يقم به أحد من قبل. ولا علاقة لأحد بما أفكّر به خارج النقابة كما لا أسمح لأحد بأن يصنّفني على أساس حزبي أو غير حزبي. النقابة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لأرقام تحلّ مشكلتها. فأين الخطأ إذا ترشّح شاب مجتهد يعمل بشكل متواصل ولِمَ لا يُعطى فرصة لإثبات ذاته؟
أكثر من تقديمات اجتماعية
نكمل مع حنا ونستفسر عن تقييمه للعهد المشارف على الانتهاء، فيلفت إلى أن العهد ليس فقط نقيباً إنما مندوبين وأعضاء مجلس إدارة. وبينما شدّد على أن لا فائدة من انتقاد العهود السابقة، اعتبر أن مشروع النقابة هو مشروع حياة لا موت. من هنا لا بدّ من الجلوس إلى طاولة واحدة مع الجميع والاستفادة من الإيجابيات كما تقييم الإخفاقات. «على الجميع العمل داخل النقابة، من الجيل المؤسّس وصولاً إلى الجيل الجديد. مؤسف أن 86% من المهندسين يرون أن النقابة مجرّد تقديمات اجتماعية، دون أي انتماء يربطهم بهذا التجمّع المهني ويشعرهم بالأمان ضمن إطار رؤية مشتركة. فالنقابة ليست مجرّد مجلس مهنة إنّما لبناء مجتمع وتعزيز دور المهندسين أيضاً».
«لنرجع نقابة» هو العنوان الذي اختاره حنا لحملته الانتخابية تحت شعار «يد بِيد»، تأكيداً على أن إعادة بناء النقابة لا يتمّ إلّا بالتضامن بين الجميع. وتوجّه ختاماً إلى المهندسين متمنّياً الاطلاع على أفكار وبرنامج كلّ مرشّح بعيداً عن الغطاء السياسي لكلّ منهم، ذلك أن المعركة ليست بين الأحزاب والمستقلّين. «كذبة مستقلّ وحزبي انتهت. أنا مرشّح نشيط وهدفي مصلحة النقابة، كما أنني لست معتمداً على أصوات «حزب الله» كما يتصوّر البعض ولم أعتد اللعب تحت الطاولة. بالطبع أريد دعم كلّ الأحزاب والمجتمع المدني وكافة المهندسين. لن أهدي النقابة لأحد، إنما سنقوم بإهداء أحزابنا والمجتمع المدني وطوائفنا للنقابة».