كتب محمد علي مقلد في “نداء الوطن”:
سؤال المقالة السابقة هو، لماذا لم تتوحد قوى الاعتراض؟ السؤال الآن، كيف يمكن أن تتوحد؟
تتوحد حين ترجئ نقاط الاختلاف وتتجمع في نقطة التقاء على القواسم المشتركة. الدولة هي الحل شعار حاز على شبه إجماع القوى السياسية في السلطة وفي المعارضة. لكنّ لكل طرف مفهوماً عن الدولة يضمّنه تفاصيل فيها يكمن شيطان الاختلاف.
دولة الحل للأزمة اللبنانية ولأزمات الأوطان في العالم العربي هي الدولة الدستورية، دولة المؤسسات والفصل بين السلطات والمساواة أمام القانون. هي تجسد، باسم القانون، سيادة الشعب على أرضه وعلى حدود الوطن وداخل حدوده. هي إذاً ليست دولة البروليتاريا ولا الميليشيات ولا المحاصصات بين زعماء الطوائف. ولا دولة الاستبداد الديني أو العسكري ولا دولة الحزب الواحد.
الوضع الملموس لمسار الأزمة اللبنانية يتطلب من قوى الاعتراض أن تتوحد خلف مهمة وحيدة هي إنقاذ الوطن والدولة من الانهيار. بعد تحقيقها يحق لكل فريق متابعة نضاله تحت سقف الدستور لوضع مشروعه الخاص موضع التنفيذ.
في لحظة حرجة يتهدد فيها مصير الوطن والدولة، لا صوت يعلو فوق صوت الإنقاذ. معالجة الأعراض لا تقضي على المرض. المرض المخفي سياسي. أعراضه الظاهرة اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية وأخلاقية وثقافية. المرض انقلاب غير معلن على الدستور والديمقراطية. الحل بإفشال خطة الانقلاب والتمسك باتفاق الطائف وممارسة كل أشكال الضغط الشعبي من أجل تطبيقه أولاً والعمل على تعديله لاحقاً.
الحل بالإنقاذ قبل التغيير وقبل الإصلاح. هذا يقتضي وضع عجلات الدولة على سكة الدستور لاستردادها من نهج ميليشيوي تدرب على انتهاك القوانين مع أول طلقة من بندقية خارج إمرة الدولة، أي من مرحلة التحضير للحرب الأهلية برعاية عربية ثم بوصاية النظام السوري ثم بقيادة ميليشيوية.
مدخل الحل انتخاب رئيس للجمهورية، والبرنامج هو ما أعلنته ثورة 17 تشرين 2019 وناضل شباب لبنان وشاباته تحت رايته وتحت سقف الدستور. بنوده:
1 – تشكيل حكومة بغير آليات المحاصصة التي كرسها النهج الميليشيوي في إدارة شؤون الدولة ورعاها نظام الوصاية.
2 – معالجة الأزمة المالية النقدية واسترداد الأموال المنهوبة.
3 – حماية القضاء واستقلاليته لتمكينه من محاسبة المسؤولين عن الانهيار المالي ومحاكمة المسؤولين عن انتهاك الدستور والقوانين.
4 – تطبيق اتفاق الطائف بنصه الأصلي وإلغاء التعديلات التي أدخلها عليه نظام الوصاية أو فرضتها الميليشيات الحاكمة، ولا سيما منها قانون الانتخاب.
يشكّل هذا البرنامج إطاراً عاماً تلتقي تحت خيمته قوى الاحتجاج والاعتراض والانتفاضة والثورة، وتتشكل تحت رايته جبهة للإنقاذ الوطني تعمل على تحقيقه ضمن الأطر السلمية وتحت سقف الدستور. تتكون الجبهة من كل القوى الشعبية والنيابية والحزبية التي توافق على بنود برنامجها بصياغاته العامة هذه.
بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة تتابع الجبهة الضغط على الحكومة لإنجاز ما تبقى من بنود برنامجها، انطلاقاً من إعداد الملفات وتقديم مشاريع الحلول في كل شأن يتعلق بأعراض الأزمة وانعكاساتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، مع احتفاظ كل طرف بحقه، منفرداً أو بالتعاون مع سواه، في تشخيصه للأعراض وتقديم اقتراحاته للحلول والنضال لتحقيقها سلمياً تحت سقف الدستور.
شروط نجاح جبهة الإنقاذ تقتضي استلهام روح التجارب السابقة والاستفادة من دروسها، تفادياً لأخطاء ارتكبت، منها تفريخ المجموعات وتغليب الفئوي على الوطني، وتثبيتاً لإنجازات تحققت، منها تقديم الثورة نموذجاً راقياً لنضال سلمي يريد تطبيق النظام لا تغييره، ولوحدة وطنية جسدتها الساحات والحبل البشري على طول الساحل والعرض المدني في عيد الاستقلال.
جبهة الإنقاذ لن تتشكل إلا حين تعود الثورة بكامل زخمها إلى الشارع.