كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
بين آذار ونيسان من عام 2023 أطلق الجيش اللبناني حملة أمنية لترحيل السوريين المخالفين الموجودين في الداخل اللبناني، سواء يعيشون في المخيمات أو منازل. ولم تكن تلك الحملة تستهدف «النازحين» بل من دخلوا خلسةً إلى لبنان ولا يحوزون إقامة شرعية والأوراق الرسمية المطلوبة. وكان هدف هذه الحملة الأساس أمنياً، بسبب الإشكالات والاعتداءات والجرائم التي ارتكبها سوريون في مناطق عدة.
عملية الترحيل تلك أنيطت بالجيش منذ نيسان 2019 بموجب قرار للمجلس الأعلى للدفاع. وبعد «الانتقادات» من منظمات إنسانية وحقوقية والجدل الذي أثير حول عملية الترحيل خلال ربيع 2023، حصل الجيش على الغطاء الرسمي من حكومة تصريف الأعمال للاستمرار في حملته. لكن هذه العملية لم تدُم أكثر من بضعة أشهر، وهي متوقفة الآن. فلم تعد المؤسسة العسكرية تتولّى مهمة ترحيل السوريين المخالفين بعد دهم تجمعاتهم وأماكن سكنهم في المنازل أو المخيمات. كذلك انخفضت وتيرة إعادة السوريين من على الحدود اللبنانية – السورية مباشرةً، تبعاً لتراجع وتيرة النزوح التي انخفضت حركتها كثيراً، فبعد أن كان آلاف السوريين يحاولون الدخول خلسةً إلى لبنان في الأشهر السابقة، باتت أعداد من يحاولون عبور المعابر غير الشرعية بالعشرات فقط.
البعض يربط توقف الجيش عن دهم تجمعات السوريين وترحيل المخالفين منهم، بالملف الرئاسي أو بالمساعدات الدولية، بحيث لا تقوى قيادة الجيش على «زعل» المجتمع الدولي. غير أنّه عملياً، لم تستهدف عملية الترحيل التي تولّاها الجيش سابقاً النازحين المسجّلين بل المخالفين فقط، فضلاً عن أنّ هذه المهمة باتت منوطة بالمديرية العامة للأمن العام عبر تسوية أوضاع المخالفين أو ترحيلهم أو استئناف عملية العودة الطوعية. كذلك، لم يعد بإمكان المؤسسة العسكرية تحمّل «المهمات الصعبة» التي «تُرمى» على عاتقها، فـ»تقوم القيامة» على الجيش، من دون أن تتحمّل السلطة أو القوى السياسية أو البلديات أو الأجهزة الأمنية والقضائية أي مسؤولية ويؤدّون واجباتهم. لذلك لم يعد الجيش ينفذ عملية دهم إلّا إذا حصل إشكال ما فيتدخل ويوقف المرتكبين ويسلّمهم إلى الجهاز المعني.
بحسب مصادر متابعة للملف، تعرّض 13,700 سوري لعمليات الترحيل أو الإعادة (خلال محاولتهم عبور الحدود خلسةً) التي أجراها الجيش اللبناني، خلال عام 2023. وهذه زيادة كبيرة مقارنةً بنحو 1500 حالة في عام 2022، بحسب المصادر نفسها.
بالنسبة إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) المعنية بهذا الملف، فهي طلبت باستمرار منذ أيار 2023، «الاجتماع مع قيادة القوات المسلّحة اللبنانية لإثارة المخاوف المتعلّقة بعمليات الترحيل التي تحدث من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ومع ذلك، لم تجرِ الموافقة على مثل هذا الاجتماع بعد». وتدعو المفوضية في لبنان إلى منح الأشخاص الفرصة للتعبير عن أي مخاوف قد تكون لديهم في ما يتعلّق بالعودة إلى بلدهم الأصلي، ولتقييم حالتهم على النحو الواجب. وهي تتابع عن كثب تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية لترحيل السوريين الذين دخلوا البلد بطريقة غير قانونية بعد 24 نيسان 2019. وتتعاون مع السلطات المعنية بشأن سبل ضمان عدم ترحيل الأفراد الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية. وتشدّد على أنّ وجود آلية للاستماع إلى المطالبات الفردية وتقييمها يضمن التنفيذ العملي لمبدأ عدم الإعادة القسرية، وضمانات أخرى مثل وحدة الأسرة.
إزاء ذلك، تعتبر مصادر سياسية لبنانية معنية بملف النزوح السوري، أنّ أعداد المُرحّلين «خجولة» مقارنةً بأكثر من مليوني سوري موجودين في لبنان، وبالنسبة إلى أنّ هناك عدداً كبيراً من المخالفين ومن سقطت عنهم صفة النزوح. وتشدّد على أنّ هذا الملف لا يُقارب إنسانياً فقط، إذ إنّه يشكّل خطراً وجودياً على كيان لبنان وتركيبته وهويته. وإذ إنّ لبنان ليس بلد لجوء أساساً، ونظراً إلى «تحجّج» الخارج بمبدأ «عدم الإعادة القسرية» يجب أن تنظر الدولة اللبنانية إلى مصلحة البلد أولاً، فـ»الإعادة القسرية» عبارة «مطّاطة»، ولا يُمكن انتظار العودة الطوعية للسوريين من لبنان إلى بلادهم، الذين ليسوا «لاجئين أمنيين أو سياسيين» بغالبيتهم، طالما أنّهم يتلقون مساعدات و»إغراءات» في لبنان وطالما أنّ أرقام العائدين خلال السنوات العشر الأخيرة لا «تبشّر خيراً». وبالتالي يجب تفعيل عمليات الترحيل وتعزيزها، انطلاقاً من «الداتا» التي يملكها الأمن العام، وبقرار وطني جامع وبفرض التنفيذ الصارم على الأجهزة والإدارات المعنية والبلديات… و»إلّا لننتظر الحلّ السياسي الشامل في سوريا إلى أمد غير منظور أو محدّد بسبب «الاستهتار» الشعبي والرسمي، و»بلا نق».