كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يُحيي لبنان اليوم «الجمعة العظيمة» لدى الطوائف التي تتبع التقويم الغربي، وكل الأمل بقيامة بلد الأرز من بين الأزمات والخضّات. وسيتنقّل المشهد بين رتبة دفن المسيح اليوم في الكسليك حيث سيجتمع أركان الدولة، وبين احتفال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بقدّاس العيد صباح الأحد في بكركي. يحتفل لبنان بعيد الفصح على وقع المخاوف من تمدد الحرب جنوباً. واللافت في هذا البلد هو انه كلما استجدت أزمة كبيرة تمحو كل الأزمات التي تسبقها. فلم يعد همّ المواطن اللبناني تعمّق الأزمة الإقتصادية والمالية بل شبح الحرب الذي يطلّ برأسه من الجنوب ويهدّد البلد بدمار كبير.
ووسط كل المآسي، ستتركّز الأنظار على رتبة دفن المسيح في جامعة الروح القدس الكسليك. وقد اختيرت الكسليك منذ أيام الحرب لتشهد على الإحياء المركزي للرتبة الأهم عند المسيحيين، وذلك بعد دور الرهبان وعلى رأسهم الرهبنة اللبنانية المارونية في الحرب ودعم صمود المجتمع. الغائب الأكبر عن رتبة الكسليك سيكون رئيس الجمهورية، وهذا الأمر لا يُصيب المسيحيين لوحدهم بل كل لبناني. وستُظهر الرهبنة اللبنانية المارونية قدرتها على جمع الدولة، لكنّ حدود هذا الجمع لا يتخطّى المعطى الروحي إلى السياسي لأنّ القرار السياسي بات في يد البطريرك الماروني منذ عام 1986 بغطاء من الفاتيكان بعد عودة الرهبان إلى الأديرة وانتهاء العمل المقاوم.
يصبّ تركيز الرهبنة في هذا الظرف على إنقاذ المؤسسات والمجتمع على حدّ سواء، وعلى رغم الإنتقادات التي توجّه لبعض مؤسسات الرهبنة، إلا أن أحداً لا يُنكر دور تلك المؤسسات في صناعة لبنان الحديث الذي يفقد هويته، ويتحوّل إلى بلد آخر. يشعر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي باقتراب الخطر الكبير على الهوية والكيان، لذلك خطّ بند الحفاظ على هوية البلد وعدم تحويله إلى بلد ديني في وثيقة بكركي التي تناقشها القوى المسيحية ويُشرف البطريرك شخصياً عليها.
لا يعني ابتعاد الرهبانيات عن العمل السياسي التخلّي عن الدور الوطني، فتوزيع الأدوار بين الرهبانيات وبكركي بمباركة الفاتيكان يؤدّي إلى الصمود ويُسهّل مهمة الخروج من القعر. ولن تغيب السياسة عن قدّاس العيد في بكركي واللقاءات، وإذا كان البطريرك يلتقي القوى المسيحية في بكركي، إلا أن فرصة العيد ستشكّل مناسبة يلتقي خلالها الراعي المسؤولين في الدولة من كل الأطياف.
سيحضر في العيد ملف الرئاسة وكل التحديات وأولها خطر امتداد حرب الجنوب، وطبعاً سيكون ملف الشراكة الوطنية من الأولويات خصوصاً إذا زار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بكركي لمعايدة البطريرك بالعيد، لكن بكركي لا تزال ترى، بالرغم من تجاوزات ميقاتي وبعض الأفرقاء، أن إتمام الشراكة الوطنية لا يتمّ من دون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فعند انتخاب الرئيس يعود كل شيء إلى طبيعته ولا يستطيع أحد الحديث عن الغبن أو الإقصاء.
لن تقلّ نبرة عظة الأحد في بكركي عن العظات السابقة، فالكنيسة تعتبر أنّ البلد وصل إلى مفترق طرق خطير والإستمرار بالسياسات السابقة سيوسّع حجم التباعد بين اللبنانيين ويُسرّع عملية الإنهيار، من هنا سيشدّد الراعي على ضرورة التحرّك السريع. من حرب فلسطين إلى وضع لبنان بكل جوانبه، وصولاً إلى الوضع المسيحي في لبنان والمنطقة والأجواء التي تُحيط ببلد الأرز، مواضيع ستكون حاضرة الجمعة في الكسليك والسبت في رسالة الفصح التي سيتلوها البطريرك والأحد في قدّاس العيد.
دخلت البلاد مدار الأعياد، وبالتالي لن يحصل أي أمر مهمّ قبل الإنتهاء من فرصة الأعياد، لكن كما يبدو فالأمور موضوعة في الثلاجة ريثما يقتنع الداخل بالحلول وتحصل تطورات في الخارج تُسرّع عملية انتخاب رئيس ووضع خريطة طريق للحلّ.