كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تُعتبر الأملاك والعقارات الوقفية من الأملاك ذات النفع العام، وتكون عادةً ملكاً للطوائف الدينية، وشكّلت وارداتها عبر التاريخ عاملاً مساعداً ومسانداً لأبناء تلك الطوائف خلال الحروب والأزمات، وساهمت في بناء كيانات اجتماعية وثقافية واقتصادية لها وحتى عسكرية.
يشكّل ملفّ العقارات الوقفية السنية أحد أبرز الملفات التي لم تستطع السلطة الدينية وتعاقب المجالس الشرعية إيجاد حلٍ لها، يمكن من خلاله تنمية الوقف السني وتسخيره في خدمة أبناء الطائفة الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة. ما يدفع للسؤال عن جدوى تلك العقارات الموجودة إذا لم تُستثمر، وتحويل منافع تلك الإستثمارات وأرباحها للنهوض بالطائفة وأبنائها ومشايخها.
أكثر من عشرة آلاف عقار بمساحات متفاوتة وعلى امتداد المحافظات اللبنانية كاملة هو عدد أملاك العقارات الوقفية السنية، تضمّ طرابلس وعكار القسم الأكبر منها وهناك عدد لا بأس به في بيروت، وإن كانت مساحتها صغيرة، لكن موقعها في وسط العاصمة وفردان يرفع قيمتها، إضافةً إلى جبل لبنان والبقاع والجنوب، من الوزاني وصولاً إلى جبل الشيخ، واللافت هو وجود عقارات في الجليل الأعلى في شبعا المحتلة يضع الجيش الإسرائيلي يده عليها وتوجد فيها سندات ملكية تثبت أنّها وقف سني. مشكلات كثيرة وعقبات تعتري هذه القضية وفق مصادر معنية، وتقول لـ»نداء الوطن» إنّ نسبة الاستثمار في تلك العقارات لا تتعدّى الواحد في المئة، وهو رقم صادم ويدلّ على عدم كفاءة بعض الدوائر في المناطق، كما في الإدارة المركزية، لجهة تفعيل إنتاجية تلك الأملاك وتأجيرها أو استثمارها، وبناء مؤسسات تدرّ مردوداً مادياً، كذلك التراخي الحاصل في لجنة التنمية في المجالس الشرعية المتعاقبة، إضافةً إلى أنّ المدير العام للأوقاف يحمل إجازة في الطب، وتمّ التمديد له أكثر من مرة وفق المبدأ المعمول به في لبنان لجهة التعاقد بعد التقاعد، وقد مضى على وجوده عشرات السنين، في وقت يحتاج المنصب إلى اختصاصي في إدارة الأعمال وجيلٍ جديد.
وتضيف المصادر أنه إلى الآن لا تزال بعض المناطق كصيدا مثلاً لا توجد فيها دائرة أوقاف، حيث يقوم المفتي بالمهمتيْن، وهو أمر مخالف للقانون، حيث لا يحق للموظف أن يتولّى وظيفتين رسميتين ويتقاضى راتبين، وأوقاف المدينة تشكو من عدم الاستثمار والفوضى والمحسوبيات. أما في جبل لبنان فتجتمع دائرة الأوقاف مرّة كل ستة أشهر، وذلك بسبب الخلافات الحاصلة بين أحمد الحريري وأحمد هاشمية ضمن المجلس الإداري للأوقاف حيث يملك «تيار المستقبل» أغلبية المجلس.
أما التعديات على العقارات الوقفية فهي المصيبة الكبرى وتشمل مختلف المناطق. ففي المنطقة الواقعة بين الأوزاعي والسان سيمون هناك عقار تبلغ مساحته 225 ألف متر اعتدى عليه مهجرو الحرب الذين قدموا من الجنوب والبقاع، وهو يحتاج إلى مشاركة الدولة في الحل، إضافةً إلى تعديات أخرى في الجية وبعلبك والوزاني وعنجر، وغيرها، وتلك التعديات تحتاج إلى متابعة محامي الأوقاف الذين لا يزال بعضهم يتقاضى خمسة ملايين ليرة، ولا تكفيه لصفيحتي بنزين.
وتشير المصادر إلى أنّ هناك شرخاً بين الإدارة المركزية ورؤساء الدوائر، فالمساعدات تأتي للإدارة الأم ولا تخرج إلى المناطق الفقيرة، والأوقاف تعتمد التناقض بين المركزية واللامركزية، ومن الواجب أن يكون هناك صندوق واحد يحمي المناطق الفقيرة، ناهيك بالترهّل والتأخر في بتّ طلبات الاستثمار المقدمة الى الأوقاف والتي تحتاج الى شهور، وإذا ما وصلت إلى بيروت قد تستغرق سنوات. وتختم المصادر أنّ الأمر يحتاج، وبوجود مجلس شرعي جديد منتخب، الى أن يعمل على حلّ ملف العقارات الوقفية لجهة الاستثمار فيها، والاستفادة منها بما يخدم مصلحة أبناء الطائفة والمشايخ، بحيث يمكن لتلك العقارات أن تسدّ حاجاتهم، كذلك تعيين مدير عام جديد للأوقاف وضخ دمٍ جديد في المجالس الإدارية للأوقاف، وتغيير الفكرة القائمة عن العقار الوقفي أنه عقار جامد وغير قابل للاستثمار.
بدوره يقول مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي لـ»نداء الوطن» إنّ «نهضة الأوقاف تتطلب دراسة شاملة وجديدة على كل الأراضي اللبنانية لتحديدها، وآخر دراسة حصلت في الثمانينات، وتحديد أماكنها، وإذا كانت مشغولة أم لا، وإذا ما كان معتدى عليها. ومنها ننطلق بدراسة جدوى اقتصادية لكل عقار من العقارات ونبدأ العمل، وكمؤسسة أوقاف في لبنان إذا تم التعامل بحرفية مع المؤسسة لسنا في حاجة إلى مساعدة من أي جهة أو سفارة، وذلك يحتاج إلى عملٍ ورؤية، وفي بعلبك الهرمل لدينا تجربة لجهة الاعتداءات على العقارات عبر الحوار المستدام الذي أوصلنا إلى تسويات، وإن كانت لا تصل إلى الحل العادل، كذلك الأمر فلا موازنات في دوائر الأوقاف تحمل رؤية، وما يقدم منها جميعاً قطع حساب».
وأشار إلى «أنّ الأوقاف تستطيع أن تنهض بعمل المسلمين خلال سنوات قليلة، والمطلوب توفر إرادات وإجراء دراسة علمية وتحديد ماذا نريد».
وسأل «لماذا أوقف رئيس الحكومة قانون الإيجارات؟ وإذا أراد أن يوقفه وهو ظالم في حق المالك، فليستثن الأوقاف الإسلامية والمسيحية من موضوع الإيجارات، فغالبية إيجاراتها قبل عام 1992، ويجب معاملتها معاملة خاصة كونها رافداً من روافد العمل المجتمعي وتكمل عمل الدولة وتخفّف العبء عنها، فالمطلوب من الدولة أن تتعامل مع الأوقاف بتشريعات خاصة، وسابقاً عندما كانت تنهار الدولة كانت الأوقاف تحمي المجتمع، كنيسة ومسجداً».