كتبت هيام القصيفي في “الاخبار”:
انكفأ الكلام أخيراً عن ترتيبات تتعلق باقتراحات دولية لوقف الحرب الإسرائيلية ولجم التصعيد في جنوب لبنان، في انتظار ما ستسفر عنه معركة تحديد المسار الإسرائيلي نحو رفح والذي يأخذ منحى تصعيدياً متسارعاً. لكن ذلك لم يلغ أن محور الحركة الدبلوماسية لا يزال محصوراً بنقل الرسائل إلى لبنان وشرح مخاطر السيناريوهات الإسرائيلية. في المقابل، فإن ما خلص إليه موفدون غربيون ودبلوماسيون يزورون لبنان، لا يتعلق بمستوى التهديد فحسب، بل بما لفت هؤلاء في حجم التماهي بين الحكومة وحزب الله في مقاربة الوضع الجنوبي.فهؤلاء الذين لا يزالون يؤمّون لبنان للقاء المسؤولين الرسميين كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يقولون إن ما يسمعونه يعكس انفصالاً تاماً بين العمل الغربي والدولي للجم إسرائيل ومنعها من توسع حربها ضد لبنان، وأداء لبنان الرسمي. وهم يبدون بشكل متزايد ملاحظات على تعامل الحكومة من موقعها الرسمي مع دوائر القرار الخارجي، بما يوحي وكأنها ليست على دراية كاملة بحجم المخاطر، رغم تبلّغها مراراً رسائل واضحة في هذا الشأن.
وبحسب ما يصل من ملاحظات، فإن الضغط الغربي الأميركي والأوروبي يتركز، كما أصبح معلوماً، على فرملة أي اندفاعة إسرائيلية لتوسيع إطار الحرب، ومع ذلك لا يميز لبنان الرسمي نفسه عن حزب الله، ولا يأخذ، في المحافل الدولية على الأقل، مسافة عن أداء الحزب وحساباته الإقليمية والدولية. ورغم معرفة الموفدين بأن الحكومة عاجزة، بحكم الأمر الواقع، عن القيام بأي خطوة منفصلة عن الإطار العام الذي يؤدي فيه حزب الله دوراً أساسياً، إلا أنهم يرون أن ثمة هامشاً كان يمكن للحكومة أن تظهره في مقاربة تطورات الجنوب، وفي البنود التي تُطرح للتخفيف من وقع التهديدات، بما يساعد العواصم الفاعلة على رفع الصوت والضغط على إسرائيل، استناداً إلى تمايز موقف الحكومة عن موقف حزب الله.
وبحسب ما يُنقل عن زوار على مستوى رفيع، أظهرت الأشهر الماضية أن الحكومة لم تتصرف، في محطات أساسية، على أنها قادرة على الفصل بين الموقفين، وإظهار تمايزها للخارج. فالأجوبة التي تتلقّاها الدول المعنية حول بعض النقاط تتلاقى مع مواقف الحزب، وليس المقصود هنا الموقف المعادي لإسرائيل لأن هذا أمر مسلّم به. كل ذلك يجعل من الصعب إقناع الدبلوماسيين والزوار الغربيين بأن ثمة اعتراضات جدية على دخول حزب الله في جبهة مساندة حماس. ولا تعوّل العواصم المعنية على المواقف السياسية المعارضة للحزب ومشاركته في الحرب لأنها لا تشكل ثقلاً خارجياً، وتعبّر عن رأي قوى سياسية سواء من خصوم حزب الله أو حلفائه السابقين، وليس عن الجهات الرسمية المكلّفة التحدث باسم لبنان. ويرى هؤلاء أنه كان يفترض التعويل على الحكومة لإظهار موقف غير ملتبس، وهو ما لم يحصل. وبقدر ما يشكل ذلك إحراجاً للدول التي تهتم بشأن لبنان، فإنه يدفعها إلى التصرف والتكلم نيابة عنه، سواء خلال الاتصالات مع إسرائيل، أو من خلال مجموعات عمل أوروبية وأميركية، وتحديد أولويات لبنان والعمل على إبقائه بمنأى عن الحرب الإسرائيلية. وإذا كانت وفود غربية معنية في شكل مباشر بالتفاوض مع إسرائيل سبق أن تعاملت خلال مجيئها إلى بيروت مع الحكومة كناقلة للرسائل فحسب إلى حزب الله، كونه صاحب القرار الفصل، إلا أنها كانت تتوقع مع تطور الحدث الجنوبي، والمخاطر الناجمة عن رفع إسرائيل لهجتها أن تسعى الحكومة إلى نوع من أنواع الاستقلالية في القرار والموقف.
والتعبير عن هذه الإشكالية يأتي في لحظة خطرة، تعطي إشارة إلى أن مثل هذا الأداء في الأشهر التي تلت 7 تشرين الأول، يعكس المخاوف مما سيكون عليه لاحقاً إذا ما نفّذت إسرائيل تهديداتها، أو إذا طالت حرب الاستنزاف أشهراً ستة أخرى أو أكثر، فكيف يمكن التعويل على منحى سياستها في استيعاب ما قد يحصل، والعمل دولياً لوقفه، وباسم من ستكون متحدّثة، أم أنها ستبقى مجرد صندوق رسائل بين الغرب وخلفه إسرائيل وحزب الله، وهو ما يصعّب مهمة كل من يسعى خارجياً إلى أن لا تتكرر تجربة لبنان مع حرب إسرائيلية مدمّرة؟