جاء في “الراي الكويتية”:
16 ضحية سقطت في نحو 24 ساعة، غالبيتها من المسعفين، هي الحصيلة الأكثر دموية على الإطلاق منذ الرصاصة الأولى في 8 أكتوبر على الجبهة التي تزداد اشتعالاً وتمدداً في جنوب لبنان.
ففي تلك الليالي الليلاء (بين الأربعاء والخميس) لم يكن الدم وحده ينذر بما هو أدهى، فالماكينة العسكرية الإسرائيلية أطلقت العنان لـ«وابل» من التهديدات بمكبرات الصوت وكأن الأسوأ على الأبواب.
اللبنانيون الذين «تعايشوا» عنوة مع نظرية الحرب المحدودة على الحافة الحدودية جنوباً، بدوا على أعصابهم التي تتلاعب بها «العواجل» على وسائل التواصل و… وسائل الإعلام.
انفلات القلق من عقاله لم يُداوِه الكلام عن توازن الردع والتماثُل والتناسُب وقواعد الاشتباك. فاللبنانيون «العاديون» لا يجيدون العلوم العسكرية ونظرياتها بقدر ما يريدون… الطمأنينة.
فمن بعلبك والصويري والهرمل في أقاصي البقاع، إلى الهبارية وطير حرفا والناقورة و«أخواتهم» في جنوب الجنوب، شريط نار ودمار ودم يشي بأن البلاد في قبضة حرب أكانت محدودة أو مفتوحة.
ورغم الانطباع السائد بانه إذا أردتَ ان تعرف ماذا سيحدث في لبنان عليك ان تعرف ماذا ينتظر غزة (الهدنة ورفح) فإن ميدان الجنوب على موعد مع معادلة تلو الأخرى.
فبعدما اقتضت حرب العشر كليومترات مناصفةً على طرفي الحدود بين إسرائيل و«حزب الله» توسيع جغرافيا النار، جرى إرساء قاعدة جديدة على مسرح الاشتباك عنوانها: بعلبك VS الجولان.
وثمة من قرأ في الفصل الأخير من التوحش الإسرائيلي ملامح معادلة أخرى أرستْها تل أبيب بـ«الحديد والنار» عبر ضم المسعفين وفرق الإغاثة في جنوب لبنان إلى بنك أهدافها على غرار ما جرى في الهبارية وطير حرفا والناقورة.
فمن هم على دراية بمجريات المواجهة في جنوب لبنان رأوا أن إسرائيل بدأت تتعاطى مع المسعفين على أنهم أهدافاً ما داموا جزءاً من التشكيلات الحزبية لـ «حزب الله» وحركة «أمل» و«الجماعية الإسلامية».
ولم يتردد هؤلاء في الكشف عن ان «حزب الله»، الذي سارع إلى إمطار مواقع إسرائيلية في الجليل والجولان بعشرات الصواريخ، سيضم ثكناً جديدة للجيش الإسرائيلي لم يستهدفها من قبل إلى إحداثياته في إطار المعادلة الجديدة.
ولم يكن عابراً، في تقدير هؤلاء، ان «حزب الله» الذي يعاني من «احتلال» إسرائيل للجو، نجح في إيجاد وسيلة موازية، ولو انها غير متوازنة أو متكافئة، وتتمثل في المسيرات ذات الطراز الحديث والمتنوع، الشبحية والتلفزيونية والانقضاضية، وتلك التي تحمل رؤوساً ثقيلة ومدمرة.
هذا الارتقاء في الجغرافيا وكثافة النيران والأهداف المستجدة لا يعني بالضرورة، ان التفاهم الضمني بين إيران والولايات المتحدة، وتالياً بين «حزب الله» وإسرائيل، على الحفاظ على تجربة «الحرب المحدودة»، مرشح للسقوط.
وقد دعت أوساط خبيرة في الشأنين العسكري والديبلوماسي عبر «الراي» إلى ملاحظة أمرين بارزين في سياق المواجهة، رغم تعاظم قرقعة السلاح، هما:
– تجنب إسرائيل تنفيذ أي عمليات اغتيال لمسؤولين في «حزب الله» لا صلة لهم بالميدان الحالي، وهو مؤشر على رغبتها في عدم التفلت من قواعد الاشتباك وخطوطه الحمر، إذ تقتصر استهدافاتها على مَن هم في سلاح الصواريخ، أو الذين لهم صلة بالملف الفلسطيني أو الكوادر العسكرية المرتبط عملها بالجبهة.
– الحرص المتبادل بين إسرائيل و«حزب الله» على إبعاد المدنيين عن مسرح النار، فلا الجيش الإسرائيلي استهدف الأمكنة السكنية ولا «حزب الله» صوّب صواريخه على المناطق المأهولة، أما سقوط مدني هنا ومدني هناك، فإنه من «الأضرار الجانبية» التي سرعان ما يلجأ الطرفان بعد سقوطها إلى الاعتذار عبر قوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان.
وحرصت الأوساط على تظهر هذه المعطيات في إطار مقاربتها «الباردة» للمواقف الحامية التي أكثر القادة الإسرائيليين أخيراً من إطلاقها وكان الانفجار الكبير صار على قاب قوسين أو ان الجبهة تعيش «الخمس الدقائق الأخيرة» قبل الدوس على زر الحرب المفتوحة.
وكانت اسرائيل رفعت منسوب «الحرب النفسية» إلى أعلى مستوى في الساعات الماضية بإعلانها «جاهزون للحرب من الآن»، مع جزم باستحالة بقاء الوضع على الحدود مع لبنان على ما كان قبل 8 اكتوبر، وتأكيد أن «عمق لبنان يتحوّل منطقة حرب و»حزب الله«بدأ يخاطر».
وفيما تحدّث قائد المنطقة الشمالية في أعقاب استهداف «حزب الله» مستعمرة كريات شمونة عن «اننا جاهزون من الليلة للتصرّف على الحدود اللبنانية، وعازمون على تغيير الوضع الأمني في المنطقة الشمالية»، نقلت وسائل إعلام اسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين أن «لا مفر من عملية عسكرية برية لإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم وسنقوم بها بعد الانتهاء من رفح وليس بالتوازي»، وان رئيس الأركان «أمر بتوسيع دائرة الأهداف المستهدفة في لبنان إلى عمق نحو 200 كيلومتر من الحدود» وأن «الجيش قرر تغيير سياسة الرد في لبنان، بحيث تم رفع شدة الضربات ومداها الجغرافي مقابل كل هجوم لحزب الله، والاستعداد أكبر للحرب».
ووسط تقارير عن تلقي بيروت تحذيرات من أن منتصف ابريل المقبل قد يشهد اندفاعة النار الاسرائيلية الواسعة، برز ما أوردته القناة 12 عن أنه «للمرة الأولى منذ 7 اكتوبر 2023 تاريخ اندلاع الحرب في غزة استأنف سلاح الجو الإسرائيلي التدريبات المكثفة للاستعداد لحرب على نطاق واسع على الجبهة الشمالية؛ وسيقوم الطيارون بمحاكاة ضربات ضخمة ومهمات طويلة المدى».
وترافق إيحاء اسرائيل بأن الحرب الواسعة باتت على الأبواب مع إمعانها في توسيع رقعة اعتداءاتها و«بنك أهدافها»، وصولاً لارتكاب مجزرتين في أقل من 24 ساعة، الأولى في الهبارية حيث سقط 7 مسعفين (من جهاز الطوارئ والإغاثة التابع للجماعة الاسلامية) ثم في الناقورة وطيرحرفا حيث قضى 9 أشخاص بينهم 3 عناصر نعاهم «حزب الله» و6 مسعفين (من هيئات صحية تابعة للحزب وحركة «أمل»).