كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
في 19 آذار الحالي قدّمت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا إحاطة إلى مجلس الأمن حول الوضع العسكري المتفجر في جنوب لبنان معتبرة أنّ «الانتهاكات المتكررة للقرار 1701 تزيد من مخاطر سوء التقدير كما تفاقم التدهور في الوضع الحرج الحالي».
وهي رأت أنه «لم يعد كافياً العودة إلى الهدوء والاستقرار النسبيين اللذين سادا قبل 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أي قبل انخراط «حزب الله» في حرب المشاغلة مع الجيش الإسرائيلي، لمساندة غزة، غداة بدء الحرب الإسرائيلية الهمجية على القطاع، انتقاماً لعملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها «حماس».
لا تفسير لهذا الكلام سوى أمر واحد هو أنّ أجهزة الأمم المتحدة باتت تعتبر أنّ العودة إلى تطبيق الجزء الذي كان يجري العمل به من القرار الدولي منذ 2006 حتى اندلاع المواجهات قبل أكثر من خمسة أشهر، أي «وقف الأعمال القتالية»، لم يعد صالحاً. ففي مرحلة من مراحل التفاوض على التهدئة جنوباً، التي خاضها الوسيط الأميركي والمستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين من أجل تفادي توسّع الحرب، جرى بحث بإمكان حصر المعالجة على البدء في وقف النار تحت عنوان العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول، تمهيداً للبحث في البنود الأخرى التي يتضمنها القرار: الخروقات الجوية الإسرائيلية، الحدود والانسحابات الإسرائيلية، السلاح والمسلحين في جنوب نهر الليطاني، التزام نشر الجيش وفقاً لالتزامات الحكومة اللبنانية، واتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل…
ضمناً أراد هوكشتاين نزع فتيل الانفجار. وفي الجانب اللبناني ساد اعتقاد بأنّ استمرار ربط «حزب الله» البحث بوقف النار بوقف الحرب على غزة سيحول دون الغوص في التطبيق الكامل للقرار الدولي. اعتقد البعض أنّه يجب خفض سقف الآمال بعناوين التفاوض على التهدئة جنوباً، لأنه حتى لو تمّ التوصل للهدنة في غزة، لن توقف إسرائيل خروقاتها بطلعاتها الجوية لمراقبة تموضعات المقاومة ونقل أسلحتها. وربما رأى هذا البعض بأنّ الإغراء لـ»الحزب» كي يقبل بوقف الأعمال القتالية، عدم إثارة مسألة سحبه قواته إلى شمال نهر الليطاني، عبر تطبيق المعادلة التي كانت قائمة قبل 8 تشرين الأول، وهي أن يبقي على أسلحته في جنوبه، لكن في شكل غير مرئي، إلى أن يحين وقت التفاوض الفعلي.
فعلى رغم الإصرار اللبناني الذي كرره وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بوجوب السعي إلى حل مستدام عبر التطبيق الكامل للقرار الدولي من الجهتين، طامحاً إلى معالجة جذرية للوضع المتفجر على الحدود، للاستفادة من اندفاع هوكشتاين للتوسط، وإعلان الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله بأن هناك فرصة لاستعادة لبنان أرضه المحتلة… بدا الأمر أكثر تعقيداً بسبب ربط «الحزب» جبهة الجنوب بجبهة غزة المفتوحة على شتى الاحتمالات التصعيدية. ولم تخفِ جهات لبنانية مسؤولة انطباعها بأن بقاء سلاح «حزب الله» غير المرئي جنوب الليطاني قد يستمر في أن يكون ورقة حماية للجنوب إزاء أي احتمالات تصعيدية، بعد وقف الأعمال القتالية، ربطاً بغزة.
التفكير بالحلول الجزئية بقي نظرياً، أمام خضوع الجبهة الجنوبية لموجات تصعيد من النوع الذي شهدته في الأيام الماضية، من البقاع، إلى الهبارية والناقورة في الجهة اللبنانية، كريات شمونة والجولان المحتل في الجهة الإسرائيلية. عدم فعالية الحلول الجزئية دفع فرونتسكا إلى القول لأعضاء مجلس الأمن «إن عملية سياسية ترتكز على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، أصبحت ضرورية».
المعطيات لدى الجهات الدولية الساعية إلى التهدئة جنوباً، مثل باريس وواشنطن ونيويورك، تفيد بأنّ الحكومة الإسرائيلية تنوي إعادة سكان الشمال الإسرائيلي إلى مستوطناتهم قبل شهر آب المقبل، أي قبل بدء موسم المدارس للسنة المقبلة.
لذلك أمام لبنان ثلاثة أشهر خطرة قبل ذلك التوقيت. وهي المدى الزمني المتاح من أجل الحؤول دون انفجار جبهته الجنوبية. وقد يكون من باب المقامرة غير المحسوبة أن يعتمد «حزب الله» على الخلافات الأميركية الإسرائيلية الراهنة، لمواصلة الحرب المدروسة القائمة حتى الآن.