كتب منير الربيع في “المدن”:
بلغ التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله مدى غير مسبوق. يعمل الإسرائيليون على تشكيل معادلة جديدة من قبلهم لـ”وحدة الساحات”. فأصبحت استهدافاتهم اليومية موزعة على أكثر من جبهة تخص حزب الله، ليس فقط في جنوب لبنان، أو البقاع وبعلبك، بل على الحدود اللبنانية السورية أيضاً في القصير، وريف دمشق، وفي محيط دمشق والسيدة زينب، وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، واستهداف مواقع للحزب والإيرانيين في دير الزور والبوكمال، بالإضافة إلى استهداف مراكز ومواقع للحزب ومخازن أسلحة وصواريخ في حلب.
قطع طرق الإمداد
لا شك أن هناك أسباباً كثيرة لاتساع رقعة النار الإسرائيلية هذه. ومن بين هذه الأسباب، استمرار الخلاف الإسرائيلي الأميركي على كيفية خوض معركة رفح. وسط معلومات ديبلوماسية تفيد بأن الأميركيين سيمنعون نتنياهو من القيام باجتياح عسكري واسع لمدينة رفح. في المقابل، يسعى بنيامين نتنياهو إلى التصعيد في جبهات مختلفة للتعويض عن ذلك، وسط طرح معادلات تتصل بأن البديل عن معركة رفح سيكون تكثيف العمليات العسكرية ضد حزب الله.
يضع الإسرائيليون عنواناً واضحاً لعملياتهم، من خلال وضعها في خانة الرد على الاستهدافات التي يقوم بها الحزب لمواقع عسكرية اسرائيلية، أو استخدام الطائرات المسيّرة، أو الصواريخ الموجهة والبعيدة المدى. فهذا يؤشر إلى أن إسرائيل لا تزال تحاول أن تظهر نفسها بموقع رد الفعل لا الفعل، على الرغم من أنها هي التي تعمل على خرق قواعد الاشتباك دوماً. في هذا السياق، يأتي استهداف الإسرائيليين لما يسمونه غرف عمليات أو تشغيل للطائرات المسيّرة في البقاع، أو لاستهداف شاحنات أو مخازن أسلحة في سوريا. وهو ما يعتبرون قطع طرق الإمداد للحزب.
إسرائيل بين ضغطين
تبقى كل هذه الأسباب في الإطار التقني والميداني واللوجستي لمجريات المعركة. أما الأساس وما هو أهم، فيتركز على الوضع السياسي والتداعيات المرتبطة بالمفاوضات، لا سيما بين الإيرانيين والأميركيين، سعياً وراء منع توسيع الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية، وللحفاظ على بعض الضوابط والقواعد. كما أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الإسرائيليون هي مشكلة سياسية في الداخل، بسبب تهجير سكان المستوطنات الشمالية، وعدم القدرة على إعادتهم وتوفير الأمن لهم. وهذا ما يشكل عنصر ضغط كبير على الحكومة الإسرائيلية، وسط تعالي الأصوات الداعية إلى القيام بعمل عسكري لتغيير الوقائع على الجبهة اللبنانية.
هذه الأصوات والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة علناً وسراً، يقابلها ضغط أميركي وغربي على تل أبيب لمنعها من التسبب بانفجار المنطقة، في حال توسيع الحرب مع حزب الله، لا سيما أن المؤشرات لدى الحزب تؤكد بأن أي حرب تشنها اسرائيل على لبنان ستؤدي إلى فتح كل الجبهات. كما أن إسرائيل تسعى إلى استباق أي نتائج يمكن التوصل إليها في المفاوضات الإيرانية الأميركية، بشكل لا يتلاءم مع المصلحة الإسرائيلية. ولذلك تصر تل أبيب على التصعيد بهذا الشكل العنيف والذي يؤدي إلى سقوط شهداء كثر، في محاولة جديدة لاستدراج الحزب إلى مواجهة أوسع.
انضباط الحزب
أكثر ما يزعج الإسرائيليين هو التعاطي الأميركي الواقعي مع حزب الله، وسط معلومات عن إشادة أميركية بالحزب، نتيجة إدارته للعمليات بشكل منضبط. مثل هذا الكلام يصل إلى مسامع الإسرائيليين مرفقاً بمعطيات أخرى حول تعزز مسار المفاوضات الإيرانية الأميركية المباشرة والتي تتركز على لبنان واليمن. وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى واقعية أميركية في المقاربة تجاه حزب الله، وسط طروحات كثيرة حول كيفية دمجه في الدولة اللبنانية سياسياً وعسكرياً على المدى الطويل. بالإضافة إلى المسار الذي عمل عليه هوكشتاين للوصول إلى تفاهم في الجنوب أيضاً، على مراحل. هذا ما لا توافق عليه اسرائيل الذي تريد حلولاً سريعة تسعى إلى فرضها ميدانياً بإبعاد الحزب عن الحدود، انطلاقاً من عمليات التدمير والمسار العسكري. أما سياسياً، فإن الإسرائيليين يعتبرون أن أي حل ديبلوماسي لا بد له أن يبرز التنازل الذي سيقدمه حزب الله بشكل علني.