IMLebanon

بيلامي: الشعب اللبناني بات رهينة صراعٍ لا يرغب به

كتبت الين البستاني غي “نداء الوطن”:

هي ليست زيارته الأولى الى لبنان، ولكنّها هذه المرّة تزامنت مع ميدان مشتعل جنوباً، في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي وتفاقم الأزمات المعيشية وتفاعل مسألة النزوح السوري.

كلّ هذه الملفات شكّلت مادة دسمة للمحادثات التي أجراها النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي فرانسوا – كزافييه بيلامي، خلال وجوده في بيروت، في زيارة استمرّت يومين، ووضعها في خانة المتابعة الميدانية للمرحلة المقلقة التي يعيشها لبنان، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه شعبه.

بعد زيارته الى الصرح البطريركي في بكركي ولقائه الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يوم أمس الأحد، بالتزامن مع احتفالات عيد الفصح المبارك لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، تحدّث بيلامي لـ “نداء الوطن” عن أهداف زيارته ومضمون محادثاته مع عدد من القيادات السياسية.

عن لقائه بالراعي قال النائب الفرنسي: “تحدّثنا عن الوضع المقلق عند الحدود الجنوبية للبنان، وأهمية الحفاظ على السلام في لبنان كما في باقي دول العالم”. ونقل بيلامي عن الراعي تشديده على أهمية تفادي الحرب الشاملة ومنع توسّع نطاقها. وبحسب بيلامي، بات “الشعب اللبناني رهينة صراع لا يرغب به، ورهينة “قوّة” تحاول السيطرة على أرضه، وهو يدفع ثمن انتهاك سيادته، وهذا الواقع تواجهه البلاد منذ مدة طويلة”.

“من الصعب توقّع ما سيؤول اليه الصراع بين “حزب الله” واسرائيل”، وفقاً لبيلامي الذي يؤكد أن “لبنان لن ينعم بالسلام إلا عندما يستعيد سيادته، وهنا أؤكد دعمي للنداء الذي أطلقه البطريرك الراعي وشدّد فيه على ضرورة أن يتمتّع لبنان بالحياد”.

وجدّد بيلامي تأييده لضرورة “تنفيذ القرار الدولي 1701، وأيضاً، بشكل بديهي، تطبيق القرار 1559 الذي ينصّ على نزع سلاح الميليشيات”.

أضاف: “لكن المشكلة أنّ اليوم هناك على الأراضي اللبنانية ميليشيا مسلّحة، تتصرّف كحزب سياسي ولكنّها في الواقع قوّة عسكرية موازية، وأقصد حزب الله، الذي ينفّذ مصالح إيران، ويهدّد بجرّ لبنان الى حرب لا تتناسب مع ما يريده اللبنانيون، لو كان بوسعهم تقرير مصيرهم”.

تابع: “إذاً التحدّي الأكبر بالنسبة لنا هو العمل على أن يستعيد لبنان سيادته، لأننا إذا أردنا تحقيق السلام في المنطقة، لا بدّ من الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، التي تدعو الى نزع سلاح الميليشيات في لبنان”، وهنا يعترف بيلامي أنّ هذه ليست مسألة سهلة وعلى المجتمع الدولي أن يلعب دوره في هذا الشأن.

“الانتخابات الرئاسية معرقلة”

في ما يتعلّق بملف الشغور الرئاسي في لبنان، يقول بيلامي: “للأسف لم نلمس أيّ خرق في هذه الأزمة، رغم جهود اللجنة الخماسية. وقد سنحت لي الفرصة أن أناقش هذا الأمر مع عدد من النواب اللبنانيين والمجموعات السياسية خلال زيارتي هذه الى بيروت. وأنا أرى أنّ الملف لا يزال مجمّداً”.

تابع: “لبنان بلد ديمقراطي، وهو أعجوبة ديمقراطية في هذه المنطقة، ومن الضروري احترام نصوص الدستور. لا يمكننا أن نطالب القوى الديمقراطية في لبنان بالتنازل عن الدستور ولا عن انتخاب رئيس. ولا أرى أنّ هناك حاجة للإجماع على شخص الرئيس من أجل انتخابه. بل بكل بساطة يجب انتخابه من قبل مجلس النواب، هذا هو الدستور، لذا يجب أن نسمح للبرلمان بحصول عملية الانتخاب، وهذا دور النواب، أي الاجتماع وانتخاب الرئيس الذي يحظى بغالبية الأصوات”.

وبحسب بيلامي: “بالنسبة للقوى الخارجية، مثل فرنسا، وبالنسبة للجنة الخماسية، ليس المهم تأييد مرشّح رئاسي معيّن، بل الأهمّ هو دعم مبدأ انتخاب الرئيس واحترام الدستور، اضافة الى الحفاظ على حقّ أعضاء البرلمان وواجبهم ودورهم في انتخاب رئيس للجمهورية”.

“تأجيل الانتخابات البلدية مؤشّر سيّء”

كما الانتخابات الرئاسية، كذلك الانتخابات البلدية والاختيارية، هي استحقاق مهمّ في نظر النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي فرانسوا – كزافييه بيلامي، الذي اعتبر أنّ احتمال تأجيلها سيكون “مؤشّراً سيئاً جدّاً. فنحن ندرك أهمية احترام الدستور اللبناني والديمقراطية في البلاد وخيارات الناخبين اللبنانيين. حالياً، في ظل هذه الأزمة التي تشهدها البلاد، هناك حاجة الى تقوية البلديات والحفاظ على فعاليتها ودورها في دعم الشعب اللبناني. لذا أعتقد أنّها ستكون فكرة سيئة للغاية، حرمان البلديات من هذه اللحظة الأساسية بالنسبة لحياتها الديمقراطية”.

“النزوح السوري تهديد للتركيبة السكانية”

خلال وجوده في لبنان ناقش بيلامي سلسلة من الملفات التي تثير قلقه، ومن بينها الشقّ التربوي، معتبراً أنّ المدارس “مستقبل لبنان وهي تعيش حالياً مرحلة هشّة، لذا اردت أن اتابع على الأرض بإهتمام بالغ هذا الملف”.

كما لم تغب أزمة النزوح السوري عن جدول محادثاته، ولا أزمة المودعين، وهي ملفات يتابعها عن كثب منذ فترة طويلة.

وفي هذا الإطار يقول بيلامي: “النظرة الأوروبية لملف النزوح لم تتغيّر. لقد قدت معركة مهمّة في البرلمان الأوروبي ضد أحزاب اليسار والغالبية التي تمثل الرئيس ايمانويل ماكرون، والتي لا تزال تعتقد أنّه يجب الاستمرار في تمويل بقاء النازحين السوريين في لبنان. كما أنّ عضو الجمعية الوطنية الفرنسية تييري مارياني، هو صديق الرئيس السوري بشار الأسد، وأنا اعتقد أنّه يستغلّ هذه الأزمة لأنّه لا يسعى الى حلّها”.

ويتابع: “إذاً نحن الجهة السياسية الوحيدة التي تحاول فعلياً الدفاع عن رغبة الشعب اللبناني بإنهاء هذه المسألة التي باتت تشكّل تهديداً هائلاً بالنسبة للتركيبة السكانية في لبنان”.

أحدث زيارة لبيلامي الى بيروت، تسبق استحقاق انتخابات البرلمان الأوروبي بعدما اختاره “حزب الجمهوريين الفرنسي” ليكون على رأس لائحة مرشّحيه في السباق المرتقب في شهر حزيران المقبل.

ويقول بيلامي: “أردت زيارة لبنان في زمن الفصح، وهو عيد الأمل، للقول إلى اي حدّ يجب أن تكون العلاقات الفرنسية – اللبنانية، والعلاقات الأوروبية – اللبنانية، في صلب الحملات الانتخابية في البرلمان الأوروبي. نحن نتحدّث كثيراً عن المسألة الأوكرانية، ونحن على حقّ في ذلك، ونتناول طبعاً الوضع الكارثي في قطاع غزة، وهذا أمر طبيعي، ولكن الجغرافيا السياسية تتضمّن تحديات واسعة، وهنا تتحمّل أوروبا مسؤولية خاصّة حيال لبنان”.

خلال زيارته الخاطفة، عقد بيلامي اجتماعات مع عدد من النواب اللبنانيين، من توجّهات مختلفة، موضحاً أنّ علاقات طويلة الأمد تجمعه ببعضهم، كونه سبق والتقاهم في بروكسل خلال الأشهر الماضية، وناقش معهم سلسلة من الملفات المهمّة. وشرح أنّ العمل الذي “سنقوم به معاً لصالح الشعب اللبناني سيتطلّب بعض الوقت، فللأسف الأمور لا تسير بسرعة ولكن هذا لا يعني أنّه علينا التوقف بل يجب أن نواصل المحاولة بثبات وإخلاص، وهذه أيضاً وجهة نظر النواب الذين اتواصل معهم، فهُم، رغم انتمائهم الى جهات سياسية مختلفة، يتشاركون معاً فكرة الدفاع عن سيادة لبنان”.

كما وجّه تحيّة الى “بعض المسؤولين السياسيين في لبنان، ومنهم مثلاً النائب سامي الجميل، لأنّهم يعرّضون حياتهم للخطر كونهم يتجرّأون على تسمية عدوّ الداخل الذي يحرم حالياً لبنان من سيادته، وأعني هنا، حزب الله. فعلينا دعم هؤلاء النواب الذين يعملون كي يستعيد اللبنانيون قرار تحديد مصيرهم بأيديهم”.

في الختام، يشير بيلامي إلى أنّ “فترة الأزمات هي مرحلة التحلّي بالمسؤولية. لذا يجب أن يتحمّل اللبنانيون المسؤولية من أجل إنقاذ لبنان، لأنّ هناك أزمات وجودية تشكّل تهديداً بالنسبة للبلاد وللدولة بحدّ ذاتها، واليوم، هو الوقت المناسب لفعل ذلك”.