جاء في “الراي الكويتية”:
لم يَعُد ثمة حاجة لرصْد الجبهة اللبنانية مع إسرائيل وكيفية تَفاعُلها مع أي تطوُّر عسكري كاسِر لقواعد الاشتباك الآخِذة في التحوّل تدريجاً بين كل من تل أابيب وطهران، وهل سيكون الجنوب «مسرحَ الردّ» في كلّ مرة توضع إيران أمام اختبارٍ جديد لقدرتها «على التحمّل» وتَجرُّع المزيد من الضربات «تحت الحزام».
ويقول عارفون في بيروت على بيّنةٍ من «تفكير» محور الممانعة وممّن استخْلَصوا تجاربَ الأشهر الستة الأخيرة منذ «طوفان الأقصى» إن مَن صوّب العدسات والأنظار أمس إلى جنوب لبنان غداة الضربة الأقسى التي تلقتْها طهران باغتيال قائد عمليات فيلق القدس التابع للحرس الثوري في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي ونائبه وخمسة من الضباط المرافقين بهجومٍ على قنصلية بلاده في دمشق، انتظروا سدى وسينتظرون أكثر بحال كانوا يعتقدون أن «حزب الله» سيشكّل منصةَ أي ردٍّ انتقامي من طهران.
ورغم تأكيد «حزب الله» في بيان النعي الذي أصدره لـ «القائد الكبير الشهيد الغالي محمد رضا زاهدي الذي كان من الداعمين الأوائل والمضحّين والمثابرين لسنوات طويلة من أجل تطوير وتقدّم عمل المقاومة في لبنان» أن «هذه الجريمة لن تمّر دون أن ينال العدو العقابَ والانتقام»، فإن العارفين يشيرون إلى معادلةٍ باتت واضحة منذ 7 اكتوبر الماضي وتقوم على أن ما يَسْري على إيران في كيفية إدارتها المعركة بالواسطة مع تل ابيب والتحرّشات الاسرائيلية، وإن التي تتجاوز خطوطاً حمر، ينطبق بالدرجة نفسها على «حزب الله»، وذلك على قاعدة «امتصاص الصدمة» وإعلاء الصبر الاستراتيجي والحِكْمة وتفادي الوقوع في «فخّ إسرائيل» الراغبة في توريطها والحزب بحربٍ شاملة.
وفي حين تمّ التعاطي مع اغتيال زاهدي ورفاقه على أنه أخطر تطور عسكري بين اسرائيل وإيران كون الهجوم وَقَع على «أرض إيرانية» في سورية هي القنصلية في دمشق، ناهيك عن أنه ثاني أقوى ضربة لطهران منذ اغتيال الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني في العراق في يناير 2020، فإن العارفين أنفسهم رأوا أن الجمهورية الإسلامية التي سبق أن دعت «حزب الله» قبل فترة قصيرة إلى الثبات على «الحِكمة» في مواجهة تل أبيب، في سياق حرصها على دوْزنةٍ واحدة لسرعة الحرب وإيقاعها وضبْطها تحت سقف عدم السقوط في «حفرة غزة»، لن تَخرج هذه المرة أيضاً عن ضبْط النفس ولن تزجّ بذراعها الأقوى في «فوهة البركان».
ويسود انطباعُ يتعمّق تباعاً بأن اسرائيل، التي تلعب على وتر كشْف طهران المبكّر لورقة عدم رغبتها في الحرب ونسْجها تَفاهماً تحت الطاولة مع الولايات المتحدة ينطوي ضمناً على تسليمٍ بأن أي صِدام كبير سيضعها وجهاً لوجه أمام واشنطن، باتت تضع إيران في موقعِ لا تُحسد عليه في إطار لعبة عضّ الأصابع حيث تكتفي (طهران) بعدّ الضربات المتوالية، وبينها اغتيال القيادي في الحرس الثوري رضي موسوي (ديسمبر الماضي) من دون قدرة على استعادة توازن الردع.
وبحسب العارفين أنفسهم، فإن هجومَ القنصلية وإن كان يندرج في السياق نفسه، إلا أنه لا بدّ أن يُقابَل بمنحى آخر من الردّ العلَني من طهران ولكن المدروس والذي لا يستجرّ حرباً واسعة تدخل في اعتباراتِ عدم الرغبة بوقوعها عوامل عدة بينها الواقع الاقتصادي في إيران وامتلاك الأخيرة هوامش واسعة «للثأر الناعم» عبر تفعيل أذرع في ساحات أخرى أبرزها الحوثيون والميليشيات العراقية وبما لا يُخْرِج «حرب الظل» مع تل ابيب إلى «أضواء حارقة» لكل خطوط الرجعة.
وإذ استوقف العارفون أن طهران أعطتْ إشارات غداة اغتيال زاهدي إلى اعتماد مجلس الأمن الدولي ساحةً لـ «حرب ديبلوماسية» كأنها بدل عن ضائع اسمه «اليدين المكبّلتبن» في الرد «المردوع» بكوابح ذاتية وأخرى تفرضها موازين القوى الكبرى والخيارات الاستراتيجية للمدى «العميق»، لم يقلّ دلالة بالنسبة إليهم قيام طهران بـ «شكوى» تل ابيب لدى واشنطن التي تبرّأت مرة جديدة مما ارتكبتْه حليفتها على قاعدة «لم نكن نعلم ولم نتبلغ مسبقاً بل قبل دقائق قليلة»، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى أن إيران باتت بين «ناريْ» إما توزيع أدوارٍ أميركي – اسرائيلي أو تفلُّت تل ابيب بالكامل من الضوابط الأميركية.
وتعزّز هذه القراءة الاقتناعَ بأن «حزب الله» لن يكون في واجهة أي ردّ «خارج النص» على اعتداء القنصلية، مع انطباعٍ بأن أي تصدُّر للحرس الثوري لمثل هذا الخيار، وإن ضدّ هدف لا يفجّر برميل البارود، قد يكون أحد أبواب تقليل احتمالات الصِدام الكبير عبر جرّ الولايات المتحدة لمزيد من الضغط الأعلى على تل ابيب التي لوحظ أن ضربتها في دمشق جاءت بعد ساعات من الحدَث الأخطر في إيلات ضدّ قاعدة عسكرية نفذته فصائل عراقية حليفة لطهران.
على أن العارفين توقّفوا عند بُعد آخَر يعني «حزب الله»في ما خص هجوم دمشق ويرتبط بطبيعة دور زاهدي خصوصاً لجهة توريد الأسلحة الدقيقة إلى الحزب، واعتبار خبراء أن هذا الهجوم يصعب عزْله عن «محاولة قطْع الارتباط اللوجستي بين سورية وإيران» أو تصعيب هذه المهمة والتمهيد لتوسيع الحرب ضد الحزب، وفق ما تعبّر عنه التهديدات الاسرائيلية المتوالية وبينها الإعلان عن ان رئيس الأركان هيرتسي هاليفي صادق على خطط عسكرية على الحدود الشمالية في ضوء التطورات الجارية في المنطقة.