كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
في أروقة مجلس النواب تخطّى الحديث عن تأجيل الانتخابات البلدية البعد النظري الى السير بخطوات عملية. والبحث جارٍ في تقديم اقتراح قانون معجل مكرّر، يبرّر التأجيل في الظروف الأمنية التي فرضها العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولا سيّما في مناطق الجنوب والبقاع، ويحدّد أقصى مهلة بنحو عام، مع إمكانية لاختزالها في حال استعادة الهدوء الأمني.
لن يكون مهماً من يُقدّم اقتراح التمديد، ما دامت الأكثرية المُرجّحة مؤمّنة، فيما يبدو واضحاً أنّ جزءاً من هذه الأكثرية يشكّل «أم الصبي» بالنسبة الى طرح تمديد ثالث للمجالس البلدية والسعي لبلوغه، ويتمثل بكتلتي «الثنائي الشيعي» وكل من يدور في فلكهما السياسي، وجزء آخر يعلن صراحة أنّه «إذا ما وضع بين خياري الفراغ أو التصويت لقانون التمديد للبلديات، فلن يرتكب معصية الفراغ»، وهذا هو موقف «التيار الوطني الحر» الذي أعلنه النائب ألان عون لـ»نداء الوطن».
وأما أيّ اقتراح مواجه تقدّمه الجبهة المعارضة التي تضمّ «القوات اللبنانية» والكتائب وكتلة «التجدد» ونواب مستقلين، يؤيّدون استثناء البلدات التي تتعرّض للعدوان، فلا ترى مصادر متابعة أنه سيفعل فعله إلا لناحية إضفاء الشرعية الدستورية والديموقراطية على جلسة الهيئة العامة لتأجيل الانتخابات، الأمر الذي تدرسه بعناية «القوات»، ويقول نائبها رازي الحاج إنها «ستواجه محاولة التمديد الثالثة للمجالس البلدية بكل السبل الدستورية والقانونية المتاحة».
حكومياً يبدو سيناريو «التخريجة» المنتظر مشابهاً للعام الماضي، فمجلس الوزراء، كما تؤكد مصادر وزارية لـ»نداء الوطن» ليس في وارد تقديم أي مشروع قانون للتمديد للمجالس البلدية، ولكنه ينتظر التوافق السياسي على تأجيل هذه الانتخابات أو تجزئتها، من قبل القوى السياسية التي تكوّنه، وبالتالي تقديم اقتراح قانون بذلك نيابة عنها. وعلى الرغم من أنّ وزير الداخلية يكرّر التأكيد على جهوزية الوزارة لإجراء هذه الانتخابات، يبدو واضحاً أنّ هذه الجهوزية ليست كافية وحدها، وإتمام هذا الاستحقاق يحتاج أولاً الى قرار سياسي. هكذا إذاً تتوافق الآراء النيابية والوزارية على أنّ كفّة التأجيل هي المرجّحة، أياً يكن الساعون إلى هذا التأجيل ومسبّباته. ويضع النائب رازي الحاج ذلك في إطار تقاطع المصالح بين تكتّلي «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة، و»التيار الوطني الحر»، من جهة أخرى. ويعتبر أنّ هذا التوجّه مفضوح منذ أول جلسة عقدتها لجنة الداخلية والبلديات مع وزيري الداخلية والمالية لمناقشة الاستحقاق.
في المقابل، يقول النائب ألان عون لـ»نداء الوطن»: «لسنا نحن من يملك القرار بإجراء هذه الانتخابات أو تأجيلها، بل هي الحكومة ووزارة الداخلية، وعليه إذا أجريت هذه الانتخابات سنشارك فيها حتماً، ولكن إذا لم تكن هناك مؤشرات لإمكانية إتمامها، سنتحمل مسؤولياتنا لمنع حصول أي فراغ في المجالس البلدية والاختيارية. ولكننا لا نبادر الى طلب أي تأجيل». ويضيف: «إنّ العدوان الذي تشنّه إسرائيل على لبنان يجعل مستحيلاً إجراء انتخابات في عدة مناطق لبنانية، بينما لا توافق سياسي على استثناء هذه المناطق». ترجم غياب التوافق السياسي حول كيفية إدارة الاستحقاق الانتخابي في ظل الظروف القائمة، خلال جلستين عقدتهما لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات لمناقشة الاستحقاق البلدي. وعكس نواب «القوات» الإصرار على إجراء الانتخابات مع استثناء المناطق الواقعة تحت العدوان، على أنّ تحدّد المناطق التي يستعصي دعوة هيئاتها الناخبة، بالاستناد الى تقارير أمنية ترفع لمجلس الأمن المركزي. وهي اعتبرت أنّ ذلك لن يحتاج الى قانون يصدر عن مجلس النواب، إنما يكفي أن يصدر قرار بتأجيل تقني عن وزارة الداخلية أو الحكومة، إلا أنّ هذا الرأي جُبه برفض التيار السياسي الذي يمثله «الثنائي الشيعي»، وتبنّاه حينها رئيس اللجنة جهاد الصمد.
في اتصال بـ»نداء الوطن» كرّر الصمد موقفه، معتبراً «أننا لسنا في اتحاد كونفدرالي لنقيم انتخابات في ولاية ونستثني ولاية أخرى. نحن نعيش في بلد واحد، مساحته لا تتجاوز الـ10452 كيلومتراً مربعاً، وبالتالي الاستثناء ليس منطقياً وهو بعيد عن الحسّ الوطني المطلوب في ظل العدوان الذي يتعرض له بلدنا». وأصرّ على «أنّ أي تأجيل للإنتخابات أو استثناء لبعض المناطق من إجرائها لا يمكن أن يتم إلا بقانون»، مرحّباً بأي اقتراح قانون ينعش النقاش الديموقراطي داخل المجلس.
إلا أنّ عضو اللجنة النائب جميل السيد اعتبر أنّ أي نقاش يخاض في مجلس النواب قبل صدور الإشارات الواضحة من مجلس الوزراء يعتبر خارج السياق. وشدد لـ»نداء الوطن» على أنّ «مسؤولية إجراء الإنتخابات تقع على عاتق الحكومة. أما إذا كانت لديها أسباب موجبة للتأجيل أو التجزئة، فعليها عرضها على مجلس الوزراء». وتساءل: «هل عقدت الحكومة أي جلسة عنوانها الانتخابات البلدية وإجراؤها في موعدها؟»، وأشار»الى أنّ وزير الداخلية يقول إنه جاهز، بينما لسنا نحن من عليه مخاطبته، إنما الحكومة». وأضاف «في ظل تيقّننا من وجود مناطق يتعذر إجراء الإنتخابات فيها، على الحكومة إرسال مشروع قانون يطلب استثناءها، أو تأجيل الانتخابات كلها»، مؤكداً «أنّ كل إشارة حول موضوع الانتخابات يجب أن تنطلق من الحكومة، إما تنفيذاً كلياً أو جزئياً مع إذن باستثناء مناطق، أو تأجيلها مع إذن بتأجيلها. وهي لم تقم بأي خطوة»… فمن سيجرؤ على تحمّل هذه المسؤولية نيابة عنها في محاولة التأجيل الثالثة لهذه الانتخابات؟