كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يحتلّ الوضع في الجنوب صدارة الأحداث اللبنانية. وشكّلت الضربة الكبيرة للحرس الثوري الإيراني في سوريا تطوراً بارزاً للأحداث الحربية. وإذا كان الإهتمام الأساسي في الداخل ينصبّ على الإنتخابات الرئاسية، إلا أنّ استحقاق إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية يدخل في الأيام المقبلة سلّم الأولويات. تتجنّد اللجنة الخُماسية لمتابعة الشأن الرئاسي، وحتى الساعة لم يخرج الدخان الأبيض ويبشّر بقرب التوافق على رئيس للجمهورية. وفي حين ينتظر الجميع إنتهاء حرب غزة وتطورات الجنوب لكي «تنقشع» الرؤية الرئاسية، لا يمكن إهمال الملف البلدي والإختياري إلى ما بعد حرب غزة. ليس الشغور في المجالس البلدية هو العامل الأول في التمديد للبلديات، فدولة فارغة من رئيس جمهوريتها وغالبية المراكز المهمة تُملأ بالإنابة، لن يؤثر إفراغ البلديات على سير عملها، بل العامل الأهم الذي عجّل في التمديد عاماً واحداً كان الشغور على مستوى المخاتير. فسلطة البلديات تذهب إلى القائمقام والمحافظين، أما المختار الذي يُقسم اليمين فلا يستطيع أحد الحلول مكانه، وحاضر في كل معاملات الدولة، ويرافق المواطن من الولادة حتى الوفاة. يقف الإستحقاق البلدي والإختياري أمام 3 خيارات لا رابع لها: الأول إجراء الإنتخابات رغم أحداث الجنوب، الثاني هو التمديد مرة ثالثة، ويتمثل الخيار الثالث في عدم إجراء الإنتخابات وعدم التمديد، وبذلك تذهب البلديات إلى الفراغ الشامل ويتوقّف عملها، كما عمل المخاتير.
في العام الماضي كانت العقبة في عدم تأمين التمويل اللازم، وتمّ تدارك هذا الموضوع عند مناقشة الموازنة بعد تحسّن وضعية خزينة الدولة، وخُصص ما يوازي 10 ملايين دولار للإنتخابات. ولإظهار حسن النية، أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في 6 آذار الماضي الجهوزية لتطبيق القانون، واتخاذ القرار بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، وحدّد التوقيت المبدئي في 12و 19 و26 أيار، تبدأ من عكار لتصل إلى الجنوب في الدورة الأخيرة. وفي شأن الجنوب، أكد مولوي أننا إذا وصلنا قبل يومين من انتخابات الجنوب والوضع على حاله، حينها نقول إنّ الظروف القاهرة حالت دون إجراء الانتخابات، ويتم تأجيل دائرة الجنوب فقط إلى أن تستقر الأوضاع الأمنية. كلام مولوي الذي قيل منذ شهر تقريباً، كان بشقه التقني وليس السياسي، فإجراء الإنتخابات يحتاج إلى قرار سياسي من السلطة التي يتحكّم بمفاصلها «الثنائي الشيعي». وينشغل «حزب الله» وحركة «أمل» بتطورات الجنوب، ويعتبران الوقت حالياً للقتال وليس للدخول في زواريب البلدات والقرى الشيعية وإشعال الخلافات العائلية والعشائرية.
ويبدو واضحاً قرار «الثنائي الشيعي» بتأجيل الإنتخابات، خصوصاً بعد كلام رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية النائب جهاد الصمد، حليف «الثنائي»، والذي تحدّث عن إقتراحات قوانين ستقدّم لتأجيل الإنتخابات بسبب الوضع في الجنوب والبقاع.
إذاً، بات البحث في سبل التأجيل، وهنا تدخل لعبة الحسابات والتوازنات في المجلس بعد تقديم إقتراح التمديد، فنصاب التمديد للمجالس البلدية والإختيارية يحتاج إلى الأكثرية المطلقة أي 65 نائباً، وترفض «القوات اللبنانية» (19 نائباً) التمديد، ويقف معها في الخندق نفسه حزب «الكتائب اللبنانية» (4 نواب) وكتلة «تجدد» (4 نواب) ونحو 17 نائباً بين مستقل وتغييري، وبالتالي هناك 44 نائباً معارضاً ضدّ التمديد. ومن جهة المعسكر المؤيّد للتمديد، هناك «الثنائي الشيعي» (31 نائباً)، وكتلة «التوافق الوطني» (5 نواب)، كتلة «المردة» (4 نواب)، «الطاشناق (3 نواب) إضافةً إلى النواب: حيدر ناصر وجهاد الصمد وعبد الكريم كبارة، وبالتالي يكون مجموع النواب المؤيدين للتمديد 46 نائباً.
وهنا تتجه الأنظار إلى «التيار الوطني الحرّ» (17 نائباً)، ففي السابق كانت الكتل المسيحية ترفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي، لكن في العام الماضي، كسر «التيار» هذه القاعدة وشرّع للتمديد للبلديات والمخاتير، بحجة منع الشغور. وتتحدّث المعلومات عن تكرار السيناريو نفسه هذا العام، فـ»التيار» الذي يخاصم «الثنائي الشيعي» في الملف الرئاسي سيكون في الخندق نفسه مع «الثنائي» في ملف التمديد للبلديات. وسيؤمّن الميثاقية المسيحية أولاً، والنصاب ثانياً، وسيمرّ المشروع بسلاسة، لأن «المعارضة السيادية» لا تملك القدرة على التعطيل مثلما تملكها في الإستحقاق الرئاسي.
وفي حال سار «التيار»، يرتفع عدد المؤيدين للتمديد إلى 63 نائباً، ويبقى هناك 21 نائباً، يتوزعون بين 8 من «اللقاء الديموقراطي»، و6 من كتلة «الإعتدال الوطني»، و7 من النواب المستقلين.
ويبدو ان المعارضة متجهة الى عدم الدخول بمعركة قاسية لأنّ البديل من التمديد هو الفراغ، إلا إذا كان هناك إصرار حكومي وضغط خارجي لإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية. وينصّ الدستور على أنّ النصاب المطلوب للتمديد هو 65 نائباً، ويُمدّد للمجالس البلدية والمخاتير إذا نال إقتراح القانون النصف زائداً واحداً من الـ65 نائباً. ويستطيع «الثنائي الشيعي» الوصول إلى هذا الرقم بعدما تقدّم في معارك برلمانية سابقة، علماً أنّ «اللقاء الديموقراطي» لن يدخل في معركة مع «حزب الله» في هذا التوقيت، من هنا درب التمديد ستكون سهلة.