كتب منير الربيع في “المدن”:
في الوقت الذي يرفع فيه بعض اللبنانيين شعار الحياد مطالبين بتطبيقه، يبدو أنه أصبح ينطبق على غيرهم. فمنذ السابع من تشرين الى اليوم، فإن سوريا هي التي تطبق مبدأ الحياد؛ لا موقف، لا مشاركة في يوم القدس، ولا مشاركة فعلية بالمعنى العسكري. عملياً حيّدت سوريا نفسها جغرافياً عن الصراع مع اسرائيل بعد حرب 1973، بعدها تحولت الى لاعب يشاغل الأميركيين والإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن والعراق في ساحات مختلفة خارج سوريا. ولطالما شكل لبنان ملعب سوريا الواسع وإطلالتها على الأحداث السياسية والإستراتيجية ربطاً بالعالم. اليوم تحولت سوريا الى ملعب، فيما لبنان ينقسم بين من يلعب دور اللاعب المؤثر، ومن يعود الى طرح فكرة الحياد، التي كانت تشمل الحياد عن سوريا أيضاً، في فترات سابقة.
الظام المهدد بالسقوط
ما بعد التدخلات الكبرى التي طرأت على الساحة السورية والثورة، وصولاً الى تداخلات دولية وإقليمية أفضت الى تنوع القوى العسكرية الموجودة فوق الجغرافيا السورية، تحولت سوريا الى ملعب كبير، وأصبح لبنان، بجزء منه، شريكاً في اللعب على أرضها. اليوم يلجأ بنيامين نتنياهو الى استباحة الملعب . يحيّد سوريا كنظام، لكنه يستهدف أبرز اللاعبين على أرضها ايران وحزب الله. يواصل مسؤولون ايرانيون وقيادات حزب الله تقديم موقف الإشادة بسوريا حيال الضغط الذي تتعرض له، علماً أنه منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى كانت سوريا على الحياد. تلقت رسائل مباشرة من الإسرائيليين والأميركيين بضرورة البقاء على الحياد وإلا فإن النظام سيكون مهدداً بالسقوط.
التزمت دمشق بهذه المعادلة، فيما نشطت بعض المجموعات المحسوبة على ايران وحزب الله بتنفيذ بعض العمليات الشكلية والرمزية من الجنوب السوري بإطلاق قذائف صاروخية أو طائرات مسيرة باتجاه الجولان. كانت الغاية فقط تقديم صورة، ولو بسيطة ومتواضعة وشكلية حول تنفيذ عمليات انطلاقاً من الأراضي السورية، لا سيما أنه في الفترة السابقة كانت عرابة محور الممانعة ورأس حربة في هذا الصراع. العمليات التي أطلقت من الجنوب السوري استهدفت مناطق، بمفهوم القانون الدولي، متنازع عليها وهي الجولان المحتل، ما يعني أنها ضربات تحت السقف.
تقويض النفوذ الإيراني
في المقابل، فإن الإسرائيليين يعملون على كسر كل القواعد، إذ أن كل الجغرافيا السورية مهددة وتتعرض لضربات، من الجنوب السوري، الى العاصمة دمشق وريفها وحمص وريفها والحدود السورية اللبنانية، الى الحدود السورية العراقية وصولاً الى حلب ايضاً. يضرب الإسرائيليون على بعد عشرات الكيلومترات فيما دمشق لا تقوم بأي ردة فعل. يقول الأمين العام لحزب الله والمسؤولون الإيرانيون إن ما بعد استهداف القنصلية الإيرانية له ما قبله وما بعده، وأنه مفصل في هذا الصراع. يشير الكلام الى الإنتقال الى مرحلة جديدة من الصراع فوق الأرض السورية، خصوصاً في ظل اصرار الإسرائيليين على توجيه المزيد من الضربات لأهداف ايرانية في دمشق ومحيطها، وما يتسرب أيضاً من استعدادات لتنفيذ المزيد من عمليات الإغتيال ضد قادة ومسؤولين ايرانيين في سوريا تحت عنوان “تقويض النفوذ الإيراني”.
هذه العمليات شكلت مدار بحث، بحسب المعلومات، بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في المكالمة الأخيرة بينهما، فنتنياهو كل همه الإستمرار في حالة الحرب، والإستعاضة عن العملية الكبرى في رفح في حال أحجم عنها بتوسيع اطار الصراع وحرب الإستنزاف مع طهران أو مع حزب الله، وهذا ما سيحصل وفق الترجيحات على قاعدة تلازم المسارين بين سوريا ولبنان مجدداً.