كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
وسّع مضمون ملف تلزيم خدمة الـOTT الذي «سرّبه» وزير الإتصالات جوني القرم لرئيس لجنة الإتصالات النيابية إبرهيم الموسوي قبل نحو عشرة أيام، دائرة مناقشته حتى اللجنة التي تنوعت آراء أعضائها بين متحمس للمشروع ومرتاب منه. فانتقل هذا الملف من وضعية تسويقية سعت إليها وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو بالتعاون مع محطات تلفزيونية أعلنت تبنيها المطلق للخدمة، إلى البحث بشكل أعمق في تفاصيل العرض الوحيد الذي لا يزال طلب قبول ترسية عقده النهائي قيد الدرس في ديوان المحاسبة.
المشروع كما بات معلوماً هو خدمة تلفزيونية عبر الإنترنت، أي أنها تتأمن من دون الحاجة إلى الصحن اللاقط وReceiver، وتعتمد بشكل أساسي على البنية التحتية التي تملكها أوجيرو. وقد بدأت محطات تلفزيونية محلية تروّج للخدمة على أنها وسيلة لإستعادة حقوقها عبر تقاضي بدل عن المحتوى الذي تقدمه، ومنع تحكم «دش الحي» بإيصال بثها إلى المنازل أو حجبه. في وقت تصوّر هيئة أوجيرو الخدمة، على أنها وسيلة للقضاء على الساتلايت غير الشرعي. الأمر الذي بدا مستغرباً لعالمين بقطاع الإتصالات، فاجأتهم أوجيرو «بأخذها محاربة الساتلايت غير الشرعي على عاتقها مع أنه ليس من ضمن إختصاصها، وفلتان الملف من يدها في ما يتعلق بالإنترنت غير الشرعي ومكافحته التي تعتبر مسؤوليتها».
أياً يكن الأمر، أصبح واضحاً أنّ خدمة الـOTT ستؤمن للمحطات التلفزيونية المحلية مداخيل مقابل محتواها أسوة بأي محتوى حصري يفترض أن تقدمه منصتها. وهذا أمر محق ولا خلاف حوله. إلا ان ما توقفت عنده جهات خبيرة إطلعت على هذا الملف، هو أنّ أوجيرو ووزارة الإتصالات تتجهان لترسية العقد على شركة حديثة الولادة بإسم «STREAM MEDIA»، تأسست في شهر أيلول من العام 2022، لا خبرة لديها في السوق، وجاءت نشأتها بالتزامن مع إنطلاق البحث في ما سمي «أموالاً منسية» للدولة، شكل تقديم خدمة الـOTT واحداً منها. وقد قدمتها أوجيرو لهيئة الشراء العام بكونها مورّداً حصرياً للخدمة الواحدة.
ملاحظات على الشكل والمضمون
أمور أساسية عدة تلفت في عرض الـSTREAM MEDIA الذي أرفق بملف وضع عبر رئيس لجنة الإتصالات على طاولة البحث النيابي، متضمناً، خلافاً للأصول المعمول بها، إجابات غير رسمية على سؤال نيابي توجه به النائبان ياسين ياسين وملحم خلف حول هذه الخدمة. وهي:
أولاً في الشكل: قدم عرض STREAM MEDIA في شهر آذار من العام 2023. أي قبل ثلاثة أشهر تقريباً من الإستشارة التي طلبتها وزارة الإتصالات من هيئة التشريع والإستشارات لتقديم خدمة الـIPTV عبر شركات إنترنت كانت هيئة أوجيرو تجري معها تجارب لإطلاق هذه الخدمة. الأمر الذي يطرح السؤال عن السبب الذي دفع الوزارة لطلب الإستشارة لتقديم خدمة IPTV بداية طالما أن العرض الذي بين يديها هو لتقديم خدمة OTT المتاحة بحرية عبر الإنترنت. فهل كان المطلوب إجابة سلبية من هيئة الإستشارات حول IPTV من أجل تعبيد الطريق أمام قبول إستشارة قدمت بعد خمسة أشهر لتقديم خدمة OTT بذريعة أن الدولة لا تملك المال ولا الإمكانيات حالياً لإستكمال البنية التحتية التي يحتاجها تقديم خدمة الـIPTV؟
ثانياً في المضمون: بدا لافتاً إلى جانب إستخدام كلمة «نحو» لتحديد عدد القنوات التي ستشرك بالمنصة، بما تملكه هذه الكلمة من إمكانية لتحوير العدد النهائي، أن يقوم العارض نفسه بتحديد المداخيل، وتقسيم حصصها. فكانت النتيجة أن حددت حصة أوجيرو بنسبة عشرة بالمئة من المداخيل، وقد اعتبرها العرض متناسبة جداً مع معايير السوق العالمية. ما يعني أنّ أوجيرو التي تستثمر في البنية التحتية والشبكات والأبراج والمعدات اللازمة لضمان سرعة الإنترنت، والمسؤولة عن الصيانة والتشغيل وخدمة الزبائن الذين يشكلون قاعدة المشتركين، ستحصل على نسبة 10 بالمئة من الإيرادات. هذا في وقت برز في كتاب موجه من هيئة أوجيرو إلى هيئة الشراء العام أنها بصدد إطلاق دعوة لشركات القطاع الخاص للمشاركة في تقديم خدمة الـOTT على أساس الشراكة في المداخيل وفقاً لنسبة مئوية محددة تصدر عن وزير الاتصالات، وذلك لجميع شركات القطاع الخاص من مرخصي ومقدمي المحتوى بحسب الخدمات والعروض والأسعار التي ستقدمها كل شركة.
ولكن لا أوجيرو وجهت الدعوة للشركات الخاصة لتقديم خدم الـOTT، ولا وزارة الإتصالات حددت قيمة شراكتها في مداخيل الشركة التي تنوي مشاركتها. في وقت بدا لافتاً أن تمرر وزارة الإتصالات عرض STREAM MEDIA إلى رئيس لجنة الإتصالات النيابية، من دون وضع أي ملاحظة أو توضيح حول ما إذا كانت تقبل بمضمونه أو تتبناه. وهذا ما دفع ربما وزير الإتصالات جوني القرم لإستدراك الأمر في أحاديث صحافية لاحقاً من خلال الإشارة إلى أمرين أساسيين:
أولاً: لا حصرية للشركة التي ستقدم الخدمة ويمكن لأوجيرو التعاقد مع مثيلاتها لخلق منافسة ويمكنها أيضا فسخ العقد معها ساعة تشاء.
ثانياً: الحصة المحددة لأوجيرو ليست نهائية.
أين الشفافية والإستقرار؟
لكن مصادر خبيرة تشير إلى أنّ المسألتين تفقدان أي عقد منوي توقيعه مع الشركة، وهما عامل الشفافية والإستقرار اللذان تبحث عنهما الهيئات الرقابية في مطلق عقد تدرسه. هذا فضلاً عن أنّ عدم وجود حصرية في تقديم الخدمة يفترض طرح الخدمة للتلزيم عبر المنافسة، علماً أنّ هذا الأمر طرح في السؤال النيابي الذي وجه إلى وزير الإتصالات، ولا سيما في السؤال التاسع الذي سأل عن سبب تمنّع أوجيرو، التي اتضح أنها باتت تملك منصة نقل المحتوى، عن وضع دفتر شروط مخصص للتعاقد مع ناقلي محتوى من أصحاب المحتوى وفقاً للقوانين المرعية الإجراء ولا سيما قانون الشراء العام، بما يضمن المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص.
تثار كل هذه التساؤلات، فيما Stream Media ماضية بتوقيع عقودها مع القنوات المحلية وتجري مفاوضات مع شركات أخرى للحصول على الحق الحصري منها وفقاً لما تؤكده وزارة الإتصالات. في وقت طرح السؤال عن كيفية مضي الشركة بمفاوضات والتحضير لعقود مع مقدمي المحتوى قبل أن تبلغ أولاً عقدها الذي يجب أن توقعه مع أوجيرو.
رائحة صفقة
هذه التساؤلات وردت أيضاً في واحدة من تغريدات عدة للنائب السابق زياد أسود تحدثت عن مكامن «صفقة» تشتم رائحتها من خلال العرض المقدم للخدمة.
تغريدات أسود حول هذا الملف تلخص إستنتاجاته التي يتجاوز من خلالها الهجوم السياسي الذي تعرض له لمجرد طرحها، مركزاً في حديث مع «نداء الوطن» على المضمون. فيوضح أنه بنى تغريداته «على تصريحات إعلامية للوزير القرم، تؤكد أن العرض المقدم هو الوحيد الموجود لدى الوزارة. ما يعني أن العرض الذي قدمه للجنة الإتصالات النيابية هو العرض المقبول من قبل الوزارة، من دون أي نقاش في تفاصيله». الشبهة كما يقول أسود تكمن في أنّ «الوزير يعطي مشروعية لشركة تأسست قبل أشهر برأسمال 200 دولار، تدور حول شخص واحد لا خبرة سابقة لها، وستنال 90 بالمئة من مداخيل الخدمة بكل بساطة».
في المقابل يسأل أسود «ما هو الجهد الذي تضعه الشركة لتحصل على 90 بالمئة من المداخيل؟ ما هي الإستثمارات التي وضعتها؟ فالمشتركون هم مشتركو الدولة، والتجهيزات ملك للدولة والصيانة للدولة. وبينما الوزير يقول إنّه لا شركة أخرى تقدم الخدمة، لماذا لا يشير أيضاً إلى أنّ STREAM MEDIA تأسست بالتزامن مع الخدمة؟ وهذا يعني أنه إذا طرح الأمر على المنافسة فلن تعجز الوزارة عن إيجاد أكثر من جهة يمكن أن تسارع للحصول على رخصة من السجل التجاري لإنشاء شركة ناشئة أسوة بـ STREAM MEDIA، طالما أنّ نزعة الدولة هي التخلي عن واردات خدماتها لمصلحة القطاع الخاص».
من منطلق من قدم 37 إخباراً خلال مسيرته السياسية، يعتبر أسود أن «صفقة» الـOTT لا تختلف عن سابقاتها، حيث لم نشهد تلزيماً لقطاع يهدف لتطوير المنشآت والمرافق العامة والخدمة التي يجب أن تصل للشعب اللبناني، إنما هي خصخصة لجيوب المستفيدين من احزاب وجهات سياسية باتت تبحث عن مداخيلها في ظل إفلاس خزينة الدولة، في إلتزامات لخدمات يفترض ان تقدمها الدولة، وتعزز من مداخيلها وواقعها المالي».