كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا يمكن ضبط حال الغليان التي يشهدها الشارع المسيحي بعد حادثة اغتيال منسق جبيل في «القوات اللبنانية» باسكال سليمان. وحال الغضب لا تقتصر على القواتيين وحدهم، بل على كل مسيحي ولبناني يرى رهانه على خيار الدولة مكلفاً لهذا الحدّ، وستكشف الأيام المقبلة كيفية معالجة تداعيات تلك العملية التي هزّت وجدان الكثيرين.
يحاول كل جهاز في الدولة اللبنانية حبك سردية حول عملية الخطف والاغتيال، لكن كُثراً لم يصدّقوا تلك الروايات. والأخطر من هذا كله، ليس العملية بحدّ ذاتها، بل حيثياتها، إذ كيف يمكن لعصابة أن تخطف مواطناً في وضح النهار وتنقله سواء كان حياً أو ميتاً لمسافة أكثر من 100 كيلومتر داخل لبنان لتصل إلى به إلى سوريا؟ مع العلم أنه لحظة حصول العملية كان سليمان يتحدّث على الهاتف مع صديقه وقد عُلم بالعملية فور حدوثها.
كان ينقص اللبنانيين هذه القضية لتنهار ثقتهم بدولتهم بعدما أثبتت مرة جديدة عدم قدرتها على حمايتهم. وتحاول القوى السياسية إمتصاص حالة الغضب الشعبية، وهذا الأمر كان مدار بحث بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي كانت زيارته مقررة من الأسبوع الماضي للتهنئة بالعيد، لكن حادثة الخطف والإغتيال احتلت صدارة الاهتمامات، فأطلع قائد الجيش البطريرك على المعطيات التي في حوزة مخابرات الجيش، وكان إتفاق على التهدئة وعدم جرّ البلاد نحو صدامات طائفية ومذهبية. وطلب البطريرك من عون الذهاب إلى التحقيق للنهاية لأن الحقيقة وحدها كفيلة بتبريد النفوس.
يلعب البطريرك دوراً محورياً في تهدئة النفوس، على رغم عدم إقتناع الكنيسة بكل الروايات والسيناريوات المتداولة، وقد أجرى الراعي مشاورات مع نائبي «القوات» زياد حواط وملحم الرياشي ويكمل التنسيق من أجل عدم إنفجار الوضع وذهابه نحو الأسوأ، وكذلك تواصل مع عدد من المسؤولين في الدولة.
«القوات اللبنانية» التي اعتبرت الجريمة سياسية بامتياز حتى يثبت العكس وحمّلت «حزب الله» المسؤولية سواء مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة تعمل على ضبط شارعها والشارع المسيحي. وتبدو هذه المهمة صعبة للغاية، فهناك من يطالب باللجوء إلى الأمن الذاتي، سواء وقف وراء هذه العملية عصابة سورية أو جهة منظمة. وتابعت قيادة «القوات» أمس الإتصالات بالمراجع الأمنية للوقوف عند ملابسات الجريمة وكشف الحقائق، وكذلك لمنع الشارع من الإنفلات، خصوصاً بعد ظهور حالة غضب عارم ضدّ السوريين المتواجدين في المناطق المسيحية من العاصمة بيروت وصولاً إلى جبيل والبترون.
ويقف حزب «الكتائب» و»الوطنيين الأحرار» والكثير من الشخصيات والقوى السيادية إلى جانب «القوات» رافضين هذا الأسلوب، في حين وضعت جريمة إغتيال باسكال سليمان «التيار الوطني الحرّ» في الخندق نفسه مع بقية المسيحيين، منبهين للخطر الذي يدق الأبواب.
وكما لم يبلع جمهور «القوات» مسألة الخطف والعصابة، كذلك لم تقنع هذه الحبكة عقول الكثير من قيادات «التيار» الذي تمسك بلغة العقل والصبر والتعقّل لعدم جرّ الشارع إلى مواجهات.
«ما قبل خطف باسكال وإغتياله ليس كما بعده»، عبارة لم ترددها قيادات ونواب «القوات» لوحدهم بل أغلبية القيادات المسيحية، فالأسئلة التي كانت تتردد في السرّ بدأت تخرج إلى العلن. ولم يسقط خيار الدولة من أجندة «القوات» والأحزاب والقوى الأخرى، لكنّ ثمة سؤالاً جوهرياً يجمع عليه كثيرون: من يحمينا؟ من يحمينا من التفلت الأمني والسلاح غير الشرعي والإجتياح السوري والعصابات و»الدويلة»؟ وهل يمكن الصبر وانتظار إغتيالات جديدة؟ وأين هي الدولة بعد كل ما يحصل؟
تعترف قيادات مسيحية بأن حادثة إغتيال سليمان سلّطت الضوء على نقاط وثغرات في الجسم المسيحي على رغم تأكيد عائلة سليمان الصغيرة والكبيرة استمرار المواجهة و»صفر خوف»، وتأكيد «القوات» على تماسك جسمها وصلابة تنظيمها وعدم قدرة أحد على النيل منها ومن المسيحيين، لأن المسيحيين أقوياء بايمانهم وتجذرهم بأرضهم ولا يستطيع أحد إرهابهم وتخويفهم وجعلهم أهل ذمة أو يجبرهم على الإستسلام لمشروع غير المشروع اللبناني.