كتب عمر البردان في “اللواء”:
في حمأة تصاعد المواجهات الدامية في المناطق الحدودية واحتدامها، والتي وضعت الجنوب على فوهة بركان، توازياً مع ارتفاع منسوب المخاوف من رد انتقامي لـ«حزب الله» ضد إسرائيل، بعد تدميرها القنصلية الإيرانية في دمشق، جاءت حادثة اختطاف وقتل مسؤول منسقية جبيل في حزب «القوات اللبنانية» باسكال سليمان، لترخي بثقلها على المشهد الداخلي المثخن بالجروح، وتزيده احتقاناً وتوتراً سياسياً وطائفياً، بدليل ما أثارته هذه الحادثة من ردود فعل وتصعيد كلامي في الشارع وعلى مواقع التواصل. لكن ما جرى، يعكس بوضوح مدى الهشاشة الأمنية السائدة، وغياب عامل الطمأنينة عند الناس، في ظل انهيار ما تبقّى من مؤسسات، وانعدام الحسّ بالمسؤولية لدى القيّمين على الشأن العام، بعد ما يقارب السنة ونصف السنة من الشغور الرئاسي.
وتأتي عودة مسلسل الخطف والقتل، وما يستحضره من صفحات الحرب البغيضة، على وقع تنامي القلق الدولي من حرب واسعة بين لبنان وإسرائيل، قد تكون مرجّحة في أي وقت، بعدما أعلن جيش الاحتلال استعداده لخوضها، وهو ما لفت إليه رئيس أركان جيش الاحتلال، بإشارته الى «اننا نستعدّ لإمكانية اندلاع حرب مع لبنان»، ما قد يكون مؤشراً لعدوان إسرائيلي قريب يستهدف لبنان، في وقت كشف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أنه تم الانتقال في مسار التحضيرات العسكرية من الدفاع إلى الهجوم، الأمر الذي يعزز المخاوف أكثر من أي وقت مضى، بأن اتساع رقعة الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل، بات وشيكاً. وعلى هذا الأساس تعيش المناطق الجنوبية حالة حرب حقيقية، بعدما فرغت القرى القريبة من الخط الأزرق من ساكنيها، على وقع سياسة التدمير الممنهج التي يعتمدها جيش الاحتلال في ما يزيد عن 60 قرية، بهدف رفع منسوب نقمة الأهالي على «حزب الله» وتحميله مسؤولية وصول الوضع إلى ما وصل إليه في هذه المناطق.
وقد برز القلق الأمني من خروج الوضع عن السيطرة، في البيان المشترك للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا، ورئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال أرولدو لازارو، واللذين أبديا خشية من أن «التوسّع التدريجي في نطاق وحجم المواجهات إلى ما وراء الخط الأزرق يزيد بشكل كبير من مخاطر سوء التقدير ويؤدي إلى مزيدٍ من التدهور في الوضع الذي هو أصلاً مثير للقلق». وإشارتهما إلى إعادة التزام كل الأطراف بوقف الأعمال العدائية في إطار القرار 1701 والاستفادة من جميع السبل لتجنّب المزيد من التصعيد بينما لا يزال هناك مجال للجهود الديبلوماسية. وهذا البيان يعبّر برأي أوساط سياسية عن مدى المخاوف التي تنتاب الأمم المتحدة، من بقاء الأوضاع في جنوب لبنان على توترها، ما يزيد من إمكانية الذهاب إلى انفجار واسع لا يمكن التكهن بتداعياته على لبنان والمنطقة. وهذا يفرض التقيّد بالقرار الدولي من جانب الطرفين، باعتباره السبيل الوحيد لوقف دورة العنف.
ومع تقدم الملفات الأمنية إلى الواجهة، فإن المعطيات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، لا تحمل على التفاؤل، رغم الحديث عن تحريك الملف بعد عطلة عيد الفطر. ولا ترى مصادر نيابية معارضة، إمكانية للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية، طالما استمر «الثنائي الشيعي» على موقفه المتمسّك بمرشحه سليمان فرنجية، وعدم إبداء الاستعداد للبحث في «الخيار الثالث» الرئاسي، لإخراج لبنان من الشغور القائم منذ ما يقارب السنة والنصف. ولا يبدو أن «حزب الله» تحديداً في وارد تقديم تنازلات، تساعد الجهود العربية والدولية في تحقيق إنجاز يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب، مشدّدة على أن هذا الملف يبدو مقفلاً راهناً، باعتبار أن «الحزب»، يرفض البحث في أي ملف لبناني داخلي، سواء كانت الرئاسة أو غيرها، قبل انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ما يجعل الأمور تراوح على صعيد الحراك الذي يقوم به سفراء المجموعة الخماسية.
وتشدّد المصادر، على أن إصرار «حزب الله» على شروطه، من شأنه أن يبقي حالة المراوحة، ويمنع حصول الاستحقاق في وقت قريب.
ولذلك فإنه لا يمكن تسجيل أي انفراجة بما يتصل بالمشهد الرئاسي السوداوي، طالما استمر «الثنائي» متمسّكاً بمرشحه سليمان فرنجية، وعدم القبول بمرشح ثالث. وكذلك الأمر عدم الإفراج عن الانتخابات الرئاسية وترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مداها، وفقاً للدستور. أي أن يكون مجلس النواب هيئة ناخبة، وأن يجتمع لانتخاب رئيس للجمهورية. وإذ تؤكد أن «حزب الله» غير قادر على فرض شروطه على اللبنانيين، فإنها تخشى من النتائج الكارثية لمشروعه الانقلابي الذي يريد فرضه، وهو أمر لا يمكن القبول به، حتى لو طال أمد الشغور أكثر من ذلك.