IMLebanon

مسؤولية “القوات”: من أجل لحظة وطنية تغلب الدويلات

كتب منير الربيع في “المدن”:

يقف لبنان أمام لحظتين. إما لحظة تكرار مشاهد الانقسام ومخاطر تذكِّر بمراحل الحرب الأهلية، وإما لحظة سياسية تتجاوز الخطر بتقديم طروحات يمكن لها أن تعيد جمع اللبنانيين على فكرة واضحة عنوانها الدولة.

حتى ينقطع النفس
يعيش لبنان منذ فترة على وقع انقسام متشعب، سياسياً، طائفياً، ومذهبياً. وتشكل ردود الفعل الأولية على جريمة خطف وقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سليمان، مبعثاً للخطر، علماً أنه منذ اللحظة الأولى لم تتبن القوات اللبنانية أي موقف رسمي يتهم طرفاً. إلا أن الأجواء المشحونة منذ فترة طويلة وبفعل التراكم، دفعت بفئات شعبية إلى رفع الصوت وتوجيه الاتهام إلى حزب الله، فيما بقي الموقف السياسي القواتي متحفظاً، بانتظار ما سيعلن عنه الجيش اللبناني.
في المقابل، جاء موقف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في غاية التصعيد أيضاً، رداً على ما قيل إنها تهديدات أرسلت إلى سكان في جبيل وكسروان، والتي وصفها بـ”المسألة الخطيرة جداً جداً حتى ينقطع النفس”.

في هذه اللحظات تقدمت لغة التهديد والتهديد المضاد، وسط تنامي الدعوات في الوسط الاجتماعي المسيحي، لاعتماد مبدأ الأمن الذاتي أو ما شاكله. وهي صورة إذا أضيفت إلى مسألة قطع الطرقات من شأنها التذكير بمشهد الحرب الأهلية.

فتح الطرق وتخفيف الاحتقان
بعد ورود خبر العثور على جثة سليمان، وما أعلن من تحقيقات أولوية، جاء رد فعل سياسي من القوات اللبنانية، برفض ما روته التحقيقات الأولية والمطالبة بضرورة التعمق بها. مع ذلك، ورغم “الغضب” فتحت الطرقات، وسط اتصالات سياسية جرت، بالإضافة إلى دور أساسي لعبه قائد الجيش، جوزيف عون، لتخفيف الاحتقان ولإقناع جعجع بفتح الطريق.

وفق هذا المعطى، فضلت القوات التريث بانتظار استكمال التحقيق، وضغطت في سبيل التوسع في التحقيقات، لأن الرواية حول سرقة السيارة، ضعيفة. في المقابل أيضاً، تريثت القوات سياسياً على وقع المحاولات الجارية للملمة القضية، بدلاً من اتجاهها نحو مخاطر أكبر. صحيح أن القوات تدرس خطواتها السياسية المقبلة، لكنها -حسب المعلومات- تأخذ في الاعتبار أن لا أحد تبنى هذه الجريمة. وبالتالي، لا بد من العمل وفق هذا المعطى أولاً. ثانياً، تعتبر القوات أنه لا بد من انتظار نتائج التحقيق بعد التوسع فيه. ثالثاً، التركيز على تنظيم وداع يليق بسليمان، والذي سيكون وداعاً شعبياً وسياسياً، يمكن أن يشكل لحظة لمنطلق سياسي جديد. أما رابعاً فهو التفكير في المرحلة المقبلة على المستوى السياسي.

بحثاً عن دولة
هنا ثمة مسؤولية ستكون ملقاة على عاتق القوات وغالبية القوى السياسية الأخرى، في عدم التهور بطروحات حساسة تتصل بتغيير النظام أو تعديل الصيغة، أو تكريس مفهوم الانقسام. لا سيما أن الجريمة يمكن أن تشكل فرصة لإعادة بلورة موقف مسيحي جامع ويتلاقى مع القوى السياسية الأخرى، فوق كل الضعف أو الاستضعاف. والعمل على صياغة موقف وطني، وتقديم مبادرة إنقاذية للخروج من هذه الدوامة، بعيداً من منطق العصبيات أو الانقسام والتقسيم. أي التعبير عن التمسك بروح “الطائف” قبل نصه، وصناعة موقف داخلي لبناني يجتمع حوله أكبر قدر ممكن من القوى السياسية والاجتماعية، ومطالبة القوى العربية والإقليمية وحتى الدولة في البحث عن صيغة توفر حداً أدنى من الخلاص، الذي لا بد أن ينطلق من تعزيز مبدأ الدولة. لأن تكريس مبدأ الاستفزاز أو التقسيم سيهدد ما تبقى من منطق الدولة ومؤسساتها، فيما هناك حاجة للشراكة وإعادة إحياء مفهوم التسوية بحثاً عن دولة.

وتلك مسؤولية لا بد أن تكون ملقاة على عاتق الجميع، كي لا يتحول لبنان إلى مسار يشبه الذي سار عليه بعد اتفاق القاهرة. أما من يحمل المسؤولية للاجئين السوريين، أو يلقيها على حزب الله لانخراطه في جبهات المساندة، فهذا هروب من الواقع المعقد. ولذلك فإن الضغط السياسي بموقف موحد ورؤية جامعة حول تعزيز دور الدولة، بدلاً من إضعافها وتفكيكها، يبقى الخيار الأفضل.

ما يمكن الاستفادة منه هنا، هو توفر ظروف لتقاطع مسيحي-مسيحي في بعض المواقف، مقابل تقاطع بين قوى مسيحية وإسلامية على ثوابت ومبادئ أخرى، بالإضافة إلى محاولة الرهان على أي تقارب إقليمي أو تسوية يمكن أن تنتجها تطورات الوضع في المنطقة، بما يشكل ضغطاً سياسياً لإعادة الاعتبار لمفهوم التسوية المتوازنة، التي تعيد تشكيل السلطة، والدخول في مرحلة إعادة بناء الدولة، لأن بناء الدولة وتعزيزها وحده كفيل بإضعاف كل المشاريع الموازية أو “الدويلات”. أما خيار التصعيد والصدام بلا أفق، أو المبني على أساس الانفصال أو التشبه بالآخر الذي يبني دويلته، فهو لن يؤدي إلا إلى تعزيز مبدأ “الجزر المنعزلة”.