كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
خُطِف باسكال سليمان بين الخربة ولحفد في جبيل ورمي هاتفه الخلوي في تحوم في البترون. وقتل جو بجاني أمام منزله في الكحالة ووجد هاتفه في مكان آخر، قيل بداية في القماطية ثم قيل إنه بعيد قليلاً عن منزله. وقتل لقمان سليم بين بلدتَي العدوسية وتفاحتا في الزهراني وعثر على هاتفه قرب المكان الذي خطف فيه في نيحا قرب صريفا. وقتل الياس حصروني في عين إبل وعثر على هاتفه معه وحكي عن اختفاء هاتف آخر كان يستعمله. الهاتف عامل مشترك في جرائم كثيرة ومسهّل لعمليات القتل ولكشف ملابساتها في الوقت نفسه.
مساء الأحد 7 نيسان الحالي، وبعد شيوع خبر خطف منسق منطقة جبيل في حزب «القوات اللبنانية»، باسكال سليمان، وبعد ردود الفعل الشعبية الغاضبة، ترك رئيس الحزب سمير جعجع مقرّه في معراب وتوجه إلى منسقية جبيل في مستيتا ليكون بين المحازبين والأنصار والحلفاء والمؤيدين والمستنكرين الذين تجمّعوا هناك لمتابعة مجريات القضية التي كانت بدأت تتطوّر على المستوى الشعبي.
جريمة خطف باسكال حصلت على طريق يؤدي إلى بلدة لحفد في جبيل بعد عودته من تقديم واجب عزاء في بلدة الخربة، وهي ليست بعيدة عن بلدة ميفوق مسقط رأس زوجة باسكال، وعن القطّارة التي شهد ديرها بداية انطلاق مسيرة سمير جعجع الثانية في «القوات اللبنانية». من هناك اتجه سمير جعجع مع قواته إلى زحلة. ومن هناك اتجه إلى الجبل. ومن هناك نزل إلى الساحل في انتفاضة 12 آذار 1985 ثم في انتفاضة 15 كانون 1986.
صار جعجع قائداً لـ»القوات اللبنانية» في المجلس الحربي في الكرنتينا ولكن دير القطارة بقي ساكناً فيه. تلك التجربة جعلت منه مؤهّلاً لإكمال مسيرة «القوات» وقائدها بشير الجميل بعد اغتياله في 14 أيلول 1982. وعندما وصل إلى مستيتا راهن كثيرون على أنّه سيكون موعد جديد للعودة إلى ثورة دير القطارة وتراءى للكثيرين على الصورة التي كانها في 15 كانون وهو يتحرّك على الأرض بين «القوات» بثيابه العسكرية وواضعاً «القلّوسة» على رأسه. ولكنّه في الواقع لم يكن في هذا التوجّه.
كان المطلوب العمل أكثر على كشف ملابسات اختفاء باسكال، وعلى حثّ الأجهزة الأمنية على أن تقوم بواجباتها، وعلى تحميل الحكومة المسؤولية، وعلى دفع الأمور في اتجاه استعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها، وليس في اتجاه تحقيق أي عصيان مدني أو تلبية رغبات المطالبين بالأمن الذاتي. كانت «القوات اللبنانية» في تلك اللحظة أكثر حرصاً على إعادة الإعتبار إلى مؤسسات الدولة التي تنهار تحت ضغط الحرب العبثية التي يخوضها «حزب الله» دعماً لحركة «حماس» في غزّة بانتظار نصر يعد نفسه به ولو على حساب انهيار الدولة والمؤسسات.
آخر كلماته قبل قتله
كان من المرجح توقّع أن باسكال قُتِل لحظة خطفه. كانت كلماته القليلة التي سمعها آخر من كان يتحدّث معه على الهاتف كفيلة بقطع الشك باليقين. ردّ فعله الأولي كان الخوف من القتل. وصل إليه الخاطفون ولم يكن لديهم أي تردّد في تنفيذ عملية القتل التي يبدو أنها كانت هي الهدف الأولي، أما سرقة السيارة فكانت بمثابة استكمال للعملية.
صحيح أن مديرية المخابرات كضابطة عدلية كشفت عن معطيات أولية من خلال التحقيقات التي قامت بها، واعتبرت أنّ منفذي العملية المباشرين كانوا يقومون بعملية سرقة سيارة، وأنّها أوقفت ستة أو سبعة منهم على علاقة بالعملية، وأنّ أحدعم أوقِف في القلمون وثلاثة سلّمهم الأمن السوري، ولكن هذه الرواية يبدو أنها منطلقة من تحقيقات أولية تحتاج إلى تثبيت من أجل استكمال الرواية التي تنقصها معطيات كثيرة وتلفها علامات استفهام كثيرة وتساؤلات بحاجة إلى توضيح.
تساؤلات تحتاج إلى توضيح
من هذه التساؤلات:
• إذا كان منفذو العملية من السوريين فإنّ مجريات العملية لا تدلّ على أنها عملية سرقة عادية. وتدلّ أيضاً على أن المنفذين الذين اعتُقل عدد منهم ليسوا مجرّد نازحين عاديين بل أعضاء في عصابة منظمة نفّذت العملية بكل تفاصيلها.
• لماذا اختار المنفذون باسكال سليمان من دون غيره؟ ولماذا يتكبّدون عناء المجيء من سوريا إلى جرد جبيل لكي يسرقوا سيارة؟ ولماذا يقتلون سائقها فوراً ثم يضعونه في صندوق سيارته ويعودون به إلى سوريا؟
• كيف استطاع المنفذون الوصول إلى هدفهم واجتياز الطرق من جرود جبيل إلى جرود البترون نزولاً إلى ساحل البترون قبل أن يرموا هاتفه في بلدة تحوم القريبة من خط الساحل، ويعبرون نقاط الجيش العسكرية في سمار جبيل ثم في المدفون؟ وكيف وصلوا إلى طرابلس وانتقلوا إلى عكار ومن هناك وصلوا إلى البقاع ثم دخلوا إلى سوريا؟ وأين هي المنطقة التي انطلقوا منها وعادوا إليها؟ ولماذا؟ وهل هناك جهة ما طلبت منهم أن ينفّذوا عملية قتل باسكال بعد تحديد مكان وجوده من خلال تتبع هاتفه الخلوي لتحديد هذا المكان؟
• لماذا يتخلى المنفذون عن سيارة مسروقة استخدموها في عملية الخطف والقتل ويحتفظون بسيارة باسكال المسروقة ويقودونها وهو جثة في صندوقها إلى سوريا؟ وهل استخدموا أكثر من سيارة في العملية؟
• هل من رابط بين الكشف عن خنادق وتحصينات وقواعد صواريخ وأسلحة يخزنها «حزب الله» في جبيل في تقرير إخباري إسرائيلي في شباط الماضي وبين استهداف باسكال من خلال تحميله مسؤولية ما باعتبار أنه منسق «القوات اللبنانية» في جبيل؟
• ما هي صحة وجود عناصر من عشيرة بقاعية بين لبنان وبين البلدة التي لجأ إليها الخاطفون في سوريا ولماذا لم تتم الإشارة إليها في المعلومات؟
لا تشبه جريمة الأشرفية
هذه الجريمة لا تشبه جريمة قتل نزيه الترك في الأشرفية التي تمكنت القوى الأمنية من كشف ملابساتها بسرعة وكان واضحاً أنّها عملية سرقة موصوفة. وهي تشبه أكثر عملية خطف الأستونيين والتشيكيين من لبنان إلى سوريا للضغط على حكومتي بلديهم.
إن مسارعة «حزب الله» إلى تبنّي رواية السرقة والقتل والخطف الأولية، وهذا حقّ له، تخفي حاجة إلى حصر المسألة ضمن هذا الإطار من دون الذهاب نحو استكمال عمليات التحقيق لكشف الملابسات التي تبقى غامضة والتي تحتاج إلى توضيح، لكي تأتي الرواية مقنعة أكثر ومثبتة بالقرائن والأدلة والبراهين. ومن حق «القوات» أن تبحث عن هذه الحقائق ايضاً.
إنّ الغموض الذي لفّ هذه القضية يضعها في خانة واحدة تقريباً مع جرائم قتل لقمان سليم وجو بجاني وفادي بجاني في حادث الكحالة، ومع محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع التي حصلت في 4 نيسان 2012 ولا تزال كلها ملفات فارغة. ومع جريمة اغتيال الياس الحصروني في عين إبل التي وصل فيها التحقيق إلى نقطة تحديد هوية السيارات التي استخدمت في عملية خطفه وقتله من دون السماح للأجهزة الأمنية باستكمالها. وهذا الأمر يعني الحق بطرح علامات استفهام كثيرة حول هذه العملية.
إن التضامن المسيحي واللبناني العام في استنكار هذه العملية يبعد شبهة الإستغلال السياسي عن «القوات اللبنانية» التي تريد الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، ولا تكتفي بما قُدِّم من رواية أولية لا ترفضها ولكنها لا تصدّقها كما هي وعلى قاعدة أنّها الرواية النهائية.
الجيش ومنع الفتنة
على الجيش، والقوى الأمنية الأخرى، مسؤولية كبرى في كشف ملابسات هذه الجريمة. ومسؤولية الجيش تكمن أيضاً في منع الفتنة حتى لو كان هذا الأمر ممكناً على حساب حجب جزء من الحقيقة. وهو تحمّل مثل هذه المسؤولية في حوادث الطيونة ثم في حوادث خلدة، وشويا في حاصبيا، وحادث قبرشمون في عاليه، وحادث انقلاب شاحنة ذخائر «حزب الله» في الكحالة أيضاً. وليست زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون للبطريرك بشارة الراعي في بكركي، أمس، إلا من ضمن إبداء الحرص على هذا السلم الأهلي. وهذا الحرص ظهر أيضاً في انتشار الجيش في مناطق اعتبرها حسّاسة، وفي طريقة تعاطي «القوات» مع هذه القضية ودعوتها بعد الكشف عن مقتل باسكال إلى فتح الطرقات والخروج من الشارع لاحتواء ردود الفعل الأولية التي حصلت ضدّ بعض النازحين السوريين في بعض المناطق.
وفي هذا المجال ظهرت «القوات» مع القوى التي تضامنت معها، والتي استنكرت مقتل باسكال وطالبت باستكمال التحقيق، كأنها الأكثر حرصاً على السلم الأهلي والأكثر مطالبة بأن تكون الدولة هي المسؤولة عن الأمن في كل لبنان، لأنّ الإستمرار في هدم مقوّمات الدولة ووضعها في تصرّف الحروب التي يخوضها «حزب الله» ستؤدّي حكماً إلى الإنهيار الشامل، ولا يمكن أن يلجأ «الحزب» إلى تخوين كل من يُحمِّله مسؤولية هذه الحرب وتداعياتها والخسائر الناتجة عنها. ولا يمكن أيضاً أن يعتبر الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله أنّه يحق له أن يعلن الحرب من دون أخذ رأي اللبنانيين الرافضين جهاراً لها محمّلاً «القوات» و»الكتائب» و»من يشد على مشدّهما»، و»الجبهة اللبنانية» مسؤولية اندلاع الحرب عام 1975 من دون أخذ موافقة المجلس النيابي اللبناني. تلك مرحلة مختلفة لا يمكن تشبيهها بالمرحلة الحالية.
جعجع المدني
كثيرون توقعوا أن يكون رئيس حزب «القوات اللبنانية» أقرب إلى سمير جعجع الذي كان في القطارة عام 1978، ولكنّه كان في مستيتا مدنياً، ولم يظهر خلال الحركة الإحتجاجية أيّ سلاح. وبالتالي لا يمكن اتهام «القوات» بأنها تريد أن تشعل فتنة وحرباً أهلية. لا يمكن اعتبار أنّ نهاية الطريق والتحقيق هي في استلام جثة باسكال لأنّ دفنه لا يمكن أن يكون أيضاً دفناً للحقيقة. والسؤال: ماذا سيقول البطريرك الراعي خلال ترؤسه الذبيحة الألهية والصلاة لراحة نفس باسكال وهو كان مطراناً لجبيل قبل اعتلائه السدّة البطريركية ويعرف أهلها جيداً؟