كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
كأنّ العيد هذا العام هو الأصعب على أبناء الجنوب، فالحرب المستعرة منذ نصف عام، لم تترك للفرح مكاناً، وفق تعبير الأهالي أنفسهم. أقسى ما في العيد أن يحل وَسط ظروف ضاغطة على النازحين أنفسهم، ممن ما زالوا ينتظرون حصة دعم تأتي من هنا أو هناك.
مع مرور كل هذا الوقت، لم تتحرك الهيئات الإغاثية كما هو مطلوب، ما زالت تتعامل مع الحرب «عالقطعة» والغارة والقصف، أما توفير متطلبات النازح الأساسية، فهي ليست من الأولويات.
يجهد كل من ترك منزله في الخيام وحولا والطيبة والعديسة ومركبا ورب ثلاثين وغيرها من القرى لإضفاء نوع من الهدوء النسبي، علّه يدخل بعض الفرح إلى العائلة، ولكن مع استمرار مسلسل التدمير والقتل والتهجير، ينتفي هذا الشعور. صحيح أنّ «حزب الله» لم يتأخر في دعم النازحين، سواء بالطبابة المجانية لهم، أو بتوفير 300 دولار من كلفة إيجار المنازل، إلى جانب مئة دولار وحصة غذائية شهرية توزّع لكل العائلات، غير أنّ النازح يحتاج الى المزيد. هذا كلّه يجعل فرحة العيد بعيدة المنال، أقل نازح خسارته كبيرة.
بدخول الحرب نصف عامها، بدا أنّ الخسائر التي خلّفتها في القرى موازية لخسائر حرب تموز 2006، في عيتا الشعب وحدها خسائر البلدة تقدر بالملايين، البلدة التي كانت قبل الحرب مركزاً تجارياً واقتصادياً وصحياً مهماً، تحوّلت ركاماً. لا يختلف مشهد الدمار فيها بين مدخليها الغربي أو الشرقي، الدمار واحد، السوق التجارية بمعظمها سوّيت بالأرض، جنى عمر الناس صار ركاماً، وفق تقدير المختار ماجد طحيني، «أنّ خسارة أي فرد في عيتا لا تقل عن مئة ألف دولار لمن لا يملك شيئاً، وترتفع الخسارة حسب نوع الاستثمار».
يضرب طحيني مثلاً قطاع النحل «إذ يوجد في البلدة ما يقارب 15 نحّالاً من كبار النحالين، ينتجون نحو ألف كيلو عسل أي ما يوازي 600 إلى مليون دولار سنوياً، هذا القطاع الذي كان يعتمد على أحراج عيتا الواسعة، قضت الحرب والفوسفور الأبيض عليه، لم يبقَ منه شيء».
في العادة، يحجّ أبناء عيتا إليها وقت التشييع، فقط في هذه المناسبات يتسنّى لأبنائها معاينة آثار الدمار الواسعة، يقول طحيني الذي يقصد عيتا مع كل تشييع فيها لتفقّد حال أهلها، «إنّ عيتا التي كانت مركزاً واسعاً لعيادات طب الأسنان، واتصف أطباؤها بأنهم الأشطر والأرخص في المنطقة، إذ كان يقصدها أبناء رميش ودبل وعين أبل وقرى بنت جبيل، تحوّلت عياداتها ركاماً». معظم تلك العيادات تقع في سوقها التجارية التي محتها إسرائيل، ويتحسّر طحيني على المشهد الذي يبدو صادماً ومحزناً في آن، في تصوره «لم يعد في عيتا شيء يصلح للحياة»، كل شيء داخلها توقف، حتى مركزها الصحي وصيدلياتها، وفي نظره «تحتاج الى أكثر من 5 سنوات لتعود كما كانت». على وقع القصف، والغارات، والفوسفور الأبيض الذي قضى على الغطاء الأخضر، سيحتفل أبناء القرى الحدودية بعيد لم يمر مثيل له في تاريخهم، ومع ذلك يملكون أمنية واحدة وهي إنتهاء الحرب في القريب العاجل، حينها فقط، يقول طحيني، يعود الى عيتا عيدها.