كتب منير الربيع في “المدن”:
ثلاثة مستويات لا بد من مقاربتها، في ضوء التطورات المتصلة بالحرب على غزة وانعكاسها لبنانياً. المستوى الأول، هو الرد الإيراني المنتظر، والذي ينتظره حزب الله أيضاً لمعرفة تداعياته، وفق ما قاله الأمين العام للحزب، السيد حسن نصرالله. المستوى الثاني، هو الخلاف الأميركي الإسرائيلي الذي يتصاعد أكثر فأكثر بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا سيما أن انتقادات بايدن لنتنياهو تتزايد إلى جانب ممارسة ضغوط كبيرة للوصول إلى هدنة، والانتقال إلى وقف لإطلاق النار. أما المستوى الثالث، فهو الجبهة اللبنانية المفتوحة والمستمرة، على وقع زيادة التهديدات والتحضيرات العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب تحذيرات واضحة تطلقها قوات اليونيفيل، التي نقلت رسائل إسرائيلية جديدة للبنانيين، في مقابل استمرار المساعي الخارجية لمنع توسيع الجبهة.
الرد الإيراني “المنتظر”
بالنسبة إلى المستوى الأول، فإن كلام نصرالله كان واضحاً بأن مصير المنطقة معلق على كيفية الردّ الإيراني، الذي أصبح مؤكداً وقد سلّم به الجميع، وفق ما يقول. كلام نصرالله يبدو وكأنه إشارة واضحة للإيرانيين حول ضرورة الرد وعدم تمريره. وبحال كان رداً قوياً واستدعى رداً إسرائيلياً قوياً أيضاً، فإن ذلك سيسهم في رفع منسوب التوتر في المنطقة ككل، ويبقي احتمالات الحرب على أكثر من جبهة أمراً قائماً.
لا يمكن فصل هذا الكلام عن ما تنقله وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين عسكريين، بأن تقييمات الجيش الإسرائيلي تركّز على تصعيد المعركة مع حزب الله، والتحضير لعمليات عسكرية على جبهات متعددة. قد يكون المقصود جبهتي لبنان وسوريا وغيرهما. وهو ينطوي على احتمالات القتال الجوي المكثف والبرّي أيضاً.
بايدن-نتنياهو
أما المستوى الثاني، فهو يتصل بما يدور بين إيران والولايات المتحدة من مفاوضات، خصوصاً في ظل تسريبات إيرانية عن إمكانية الاستعاضة عن الردّ على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، والتراجع عنه، في حال الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة. هذا بحد ذاته تعتبره إيران انتصاراً، في حال تحقق. وستقول إنها افتدت بنفسها وبقنصليتها من أجل وقف الحرب على غزة. وكان الإيرانيون وحزب الله قد استبقوا ذلك بوضع معادلة انتصار المقاومة الفلسطينية وهزيمة إسرائيل بمجرد وقف اطلاق النار. ما تراهن عليه إيران هو الخلاف الأميركي الإسرائيلي، وضعية بايدن في الانتخابات الرئاسية، وعدم رغبة الأميركيين في توسيع الحرب وانتقالها إلى جبهات متعددة، قد تحولها إلى حرب إقليمية. ما يمرره الإيرانيون للأميركيين هو أن وقف إطلاق النار في غزة سيحسن حظوظ جو بايدن الرئاسية. يجري هذا وسط ممارسة ضغوط كبيرة على نتنياهو لوقف الحرب وعدم خوض معركة رفح.
في هذا السياق، يستعجل الإيرانيون قراءة المشهد، بالتركيز على انسحاب الجيش الإسرائيلي من خان يونس، وذلك قبل تجدد جولات المفاوضات في القاهرة. وهو ما يعتبرونه مؤشراً على الضغوط الأميركية على الإسرائيليين، مع مواصلة الضغوط لتحقيق الهدنة وتطويرها إلى وقف لإطلاق النار. وهذا ما يربطه الإيرانيون أيضاً بالتضارب الأميركي الإسرائيلي حول معركة رفح، ورفض الأميركيين المطلق لها. وبحال نجح الرهان الإيراني في الوصول إلى وقف لإطلاق النار، فهم يعتبرون أنه سينسحب على لبنان. وبالتالي، سيتحقق ما تريده طهران بعدم انتقال إسرائيل من معركة غزة إلى معركة في الجنوب اللبناني.
الجبهة اللبنانية
بالانتقال إلى المستوى الثالث، فإن التحشيدات الإسرائيلية على الجبهة الشمالية تتواصل، مرفقة بتهديدات وتحذيرات مع الكثير من الإجراءات التصعيدية، وإعلان الجيش الاستعداد للانتقال من الدفاع إلى الهجوم. وتترافق هذه التحضيرات مع كلام تحذيري واضح قاله قائد قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، مشيراً إلى مخاوف جدية من تصاعد الصراع والوصول إلى حرب حقيقية. أما المتحدث بإسم قوات الطوارئ، فيقول إنهم نقلوا رسائل إلى حزب الله عبر الجيش اللبناني، من دون أن يكشف ماهية هذه الرسائل.
حسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن هذه الرسائل تتضمن تهديدات إسرائيلية جديدة، حول توسيع المعركة. وأن إسرائيل ستصعّد من عملياتها العسكرية النوعية، وستعتمد في المرحلة المقبلة سياسة الأرض المحروقة. كما ستكثف من غاراتها الجوية في حال عدم الوصول إلى صيغة حل.
حزب الله يضع هذه الرسائل في خانة التهديد والتخويف، لكنه في الوقت نفسه يتجهّز ويتخذ كل الاستعدادات اللازمة تحسباً لأي طارئ.
العقلية الإسرائيلية
تبقى المشكلة إسرائيلية، وهي ترتبط بجملة عوامل، من بينها السقف المرتفع الذي رفعه المسؤولون الإسرائيليون، أزمة تهجير سكان المستوطنات الشمالية، الذين يرفضون العودة طالما أن حزب الله بقي متمتعاً بقوته، ولم تتمكن إسرائيل من تغيير الواقع العسكري. إضافة إلى تغير جدي في العقلية الإسرائيلية حول حلفاء إيران، الذين كانت تعتبرهم يشكلون خطراً على الدول التي هم فيها، وعلى الدول العربية. والآن باتت إسرائيل تعتبر خطرهم جدي جداً عليها، ولا بد لها من العمل على إبعاد هذا الخطر. هذا من بين الأسباب التي تحرج الإسرائليين، وقد تدفعهم لأن ينخرطوا أكثر في الصراع، وهم الذين يعودون إلى نغمة قديمة جديدة حول الجبهة السورية ومنع تأسيس حزب الله هناك. وقد يكون ذلك مبرراً لتوسيع عملياتهم في الجنوب السوري، مع استمرار تداعيات ذلك على الجنوب اللبناني.