كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
لازم العدد الأكبر من السوريين في لبنان، الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون بين نازح ومقيم، أماكن سكنهم خلال عيد الفطر خشيةَ التعرض لاعتداءات على الطرقات كما حصل مع عدد منهم إثر الإعلان عن مقتل منسّق حزب «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان، على يد أشخاص من التابعية السورية.
وقال أبو محمد (50 عاماً)، وهو أب لـ4 أولاد، إنه وعائلته لم يخرجوا من باب الغرفة التي يسكنون فيها في إحدى قرى جبل لبنان، منذ الاثنين، خشية أن يتعرضوا للضرب أو للترحيل من البلدة، إذ لا يعرفون أي مكان آخر يتوجهون إليه، مستهجناً «كيف يتحمل آلاف الأبرياء مسؤولية ما يقوم به بعض الأشرار فقط لأنهم يحملون نفس الجنسية».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن المأساة التي نعيشها منذ عام 2011 لن تنتهي، وهي تتجدد كل فترة بشكل جديد. نحن لا نعيش كما يصوِّر البعض في بحبوحة وسعادة في لبنان، لكننا لا يمكن أن نعود إلى سوريا حيث لا منزل نسكنه ولا أعمال نقوم بها لنعيل عوائلنا. كل ما نحلم به أنا وأولادي أن يتم ترحيلنا إلى بلد ثالث حيث نعيش بكرامة واحترام».
وبعد انتشار فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر تعرض سوريين على الطرقات للضرب وتكسير سيارات تحمل لوحات سوريا، من مجموعات الشبان، في ردِّ فعلٍ على مقتل المسؤول القواتي باسكال سليمان، الأحد الماضي، جرى تداول فيديو جديد خلال الساعات الماضية يُظهر شاباً على دراجة نارية مع آخرين ينادي عبر مكبر للصوت بضرورة مغادرة جميع السوريين الساكنين في منطقة برج حمود (جبل لبنان) أو العاملين في المحلات التجارية بالمنطقة قبل يوم الجمعة، قائلاً: «لقد أعذر من أنذر».
ومنذ يوم الاثنين، يلازم القسم الأكبر من السوريين الأماكن التي يعيشون فيها، ولم يتوجه قسم كبير إلى عمله، فبدا أحد الشوارع الذي يعجّ بالمطاعم في منطقة الحازمية (جبل لبنان) خالياً تماماً من موظفي ركن السيارات الذين عادةً يتهافتون على ركنها. كذلك أوقف بعض المطاعم خدمة الدليفري نتيجة غياب عمالها وكلهم من السوريين.
وتنفي مصادر رسمية في حزب «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط» أي علاقة للحزب بالأحداث التي تحصل على الأرض وبالتعرض للسوريين أو الدعوات لترحيلهم من مناطق معينة، مؤكدةً أنْ لا توجيهات على الإطلاق للمناصرين بهذا الخصوص.
وصدر عن الدائرة الإعلامية في حزب «القوات اللبنانية» الخميس، بياناً استنكرت فيه ما سمّتها «التعديات الهمجية التي يتعرض بعض اللاجئين لها»، معتبرةً أن «المطالبة بعودة اللاجئين السوريين أصبحت أكثر إلحاحاً، بعدما أصبح واضحاً حجم عدد الأعمال الإجرامية والمخلّة بالأمن التي يقوم بها البعض منهم».
وأضافت: «لكنّ المطالبة بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم شيء، والتصرُف بحقد وهمجية شيء آخر مختلف تماماً. فالتصرفات التي نراها على بعض مواقع التواصل وبعض الممارسات التي نشهدها على الأرض مرفوضة من جهة، ومريبة في الشكل والمضمون والتوقيت من جهة أخرى».
دفعٌ إلى العودة تحت الضغط
ويعتقد بعض اللبنانيين أن التضييق على النازحين السوريين بهذه الطريقة قد يُعجّل باتخاذهم قرار العودة إلى سوريا ما دام المجتمع الدولي لا يتجاوب مع كل المطالبات اللبنانية الرسمية بالمساعدة على إعادة النازحين إلى بلدهم. ويقول سامي.ج (33 عاماً) إن «السكوت عمّا يحصل في موضوع النزوح سيؤدي إلى تحول الجريمة التي ذهب ضحيتها باسكال سليمان إلى واقع نعيشه بشكل يومي، وهذا ما لن نسمح به»، وأضاف: «إذا كانت الدولة متواطئة ومتلكئة، فنحن سنتصرف على الأرض». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هم باتوا يتوجهون إلى العمل ونحن في منازلنا من دون عمل. هم يتلقون مساعدات مالية من دول غربية ونحن لا أحد يهتم لأمرنا. وقد وصل الأمر إلى حدّ قتلنا في منازلنا وقرانا، وبالتالي السكوت عن ذلك سيعني أننا من دون كرامة!»
الصدام خط أحمر
وتجد القوى الأمنية اللبنانية نفسها مُحرَجة في التعامل مع هذا الملف، بحيث إنها غير قادرة على توقيف المعتدين على السوريين على الطرقات خشية أن يؤدي ذلك إلى أزمة كبيرة مع اللبنانيين في الشارع، باعتبار أن هناك نقمة شعبية عارمة على النازحين. وتقول مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «الخط الأحمر الذي يُمنع تجاوزه هي المواجهات في الشارع بين اللبنانيين والسوريين»، مشددةً على أنها «تتابع الوضع عن كثب وستتصدى لأي أحداث تؤدي لانفجار الوضع الأمني في لبنان».
وبعد تقديمه واجب العزاء في سليمان، قال وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، إن «لجم الفلتان السوري يكون بتطبيق القانون على السوريين الموجودين في لبنان من خلال الأجهزة الأمنية والبلديات والأهالي»، معتبراً أن «حفظ الأمن مسؤولية تشاركية، لأن الأمن للجميع وكلنا معنيون به».
ويشيَّع القواتيون وأهل المسؤول القواتي باسكال سليمان، فقيدهم، الجمعة، بمأتم حاشد. ويخشى كثيرون من ردّات فعل على الأرض بوجه النازحين السوريين قد تؤدي إلى أحداث أمنية متفرقة، خصوصاً بعد تداول رسائل صوتية تدعو إلى التحرك لإخراج السوريين من بعض المناطق والقرى بالتزامن مع التشييع.