كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ظَهّرت نتائج انتخابات نقابة المهندسين التي انتهت إلى فوز مرشح «التيار الوطني الحر» علاقة جديدة آخذة بالتبلور بين «التيار» وحركة «أمل»، أو بكلام أدق بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب جبران باسيل. يمكن البناء على النتيجة وتفاصيل ما شهدته التحضيرات لإنتخابات نقابة المهندسين للانتقال بالسؤال هل يمكن تطوير هذا النموذج في العلاقة بين الطرفين لإنتاج توافق على رئيس للجمهورية، خصوصاً أن قاسمهما المشترك حليف يتمنى تقارباً طال انتظاره بينهما؟.
ما تفصح عنه أجواء الطرفين أنهما باتا أقرب إلى تغيير المقاربة التي سادت علاقتهما في الماضي. من جهة «التيار» لم يعد يُعتبر بري رئيس المنظومة ويجب إزالته بالسياسة، بالمقابل لم يعد يعتبر رئيس المجلس أنّ باسيل يهيمن على القرار ويجب اضعافه في السلطة. فهل يمكن البناء على نتيجة انتخابات نقابة المهندسين للتأسيس لعلاقة جديدة عنوانها إعادة تكوين السلطة وتعزيز الثقة المتبادلة بعيداً عن نطاق الاتهامات المتبادلة ولغة الإلغاء إلى الحوار بالتدرج؟ أو أنّ المحتوم الّا يلتقي الطرفان أبداً؟
يقول العارفون إنّ حرص رئيس مجلس النواب على وضع النتيجة في اطارها النقابي لم يلغ أبعادها السياسية بحيث اعتبرها خلال استقباله وفد نقابة المهندسين في حركة امل انها تشكل مدماكا اضافيا للوحدة الوطنية بما لا ينفي وجود تنسيق ولا يلغي المستجد وهو أن العلاقة مع «التيار الوطني» لم تعد تتسم بالبرودة التي كانت عليها. يقدّر بري لباسيل تجاوبه مع الدعوة للحوار بشكل عام وأنه كان السباق للتجاوب مع طرحه، بالإضافة إلى مواقف أخرى في الموضوعات الوطنية المفصلية حيث لا يتماهى مع الشعبوية على حساب المصلحة العامة، وهو وإن كان لا يزال يختلف معه على مقاربته للعمل الحكومي، لكنه يثمن مواقفه من العمل التشريعي لمجلس النواب.
منذ أربعة أشهر، بدأت المرونة تخترق جدار العلاقة الباردة بين بري وباسيل. ستة اجتماعات مع النائب غسان عطاالله ساعدت في توضيح الكثير من المسائل العالقة. كان عطاالله موضع ثقة الطرفين. وسواء بري أو باسيل، فقد آثرا عدم ادخال أي من المحيطين بهما على خط هذه العلاقة وحصر تفاصيلها بهما مباشرة.
وقالت مصادر مقربة من «التيار الوطني» إنّ انتخابات نقابة المهندسين جاءت في سياق عمل طويل أحيط بالكتمان، تقصد بري إظهاره حديثاً بالنظر إلى جديته ونتيجة لتراكم البحث المتواصل منذ أشهر عدة. وتابعت أنّ البحث نجح في تغيير الصورة السلبية لبري تجاه «التيار» الرافض لمبدأ الحوار فتم التوضيح أنّ التيار لا يريد حواراً غير مضمون النتائج ومعرضاً للفشل، بل يجب التعاون لضمان انجاحه ولأجل ذلك شمل البحث كل التفاصيل المتعلقة بالتشاور أو الحوار.
أسباب كثيرة سهّلت تقارب بري- باسيل كان من بينها ما بدأ رئيس المجلس يتلمسه أخيراً من وجود نفس سلبي لدى «القوات». الخلاف في السياسة جائز ولكن ليس إلى حد العداء في العلاقة مع باقي المكونات السياسية وهذا ما يتوضح ليس في تصريحات نواب القوات والمسؤولين فيها فحسب وانما عبر مواقع التواصل الإجتماعي بما كوّن انطباعاً لدى الثنائي أنّ «القوات» ذهبت بعيداً بشكل لم تعد العودة الى العلاقة معها سهلة.
وتوضح أجواء المطلعين على سير المباحثات بين الطرفين أنّ الحوار جارٍ حول أمور كثيرة لا يقتصر على البحث الرئاسي، وإن كان يتصدر النقاشات وعاد ليطرح نفسه بقوة بعيداً عن منطق النكايات أو التحدي، بل بغرض الوصول إلى قواسم مشتركة تؤدي إلى انتخاب رئيس في الوقت المناسب حين يتم التقاطع على مرشح يطمئن له الجميع وأهل للثقة ولأداء مسؤولياته كما يجب. ما يمكن قوله بعيداً عن المعلن رئاسياً أنّ فكرة البحث عن شخصية يتم التقاطع بشأنها لم تعد بعيدة.
في ما يسعى إليه «التيار» فقد خفف الحوار الجاري الخطاب عالي السقف بين الطرفين ونجح النائب عطاالله في نقل الأجواء التي تؤمن بناء جسر من الثقة المشتركة والانفتاح على نقاش مباشر بين الطرفين هدفه تطويق الخطر المحدق بالبلد ومفاعيل الفتنة التي كادت أن تفجره، خاصة وأننا نعيش على رمال متحركة وفي ظل وضع هش عرضة للإنفجار في اية لحظة.
يخوض عطالله الحوار في الملف الأصعب لتصحيح العلاقة الأكثر تشنجاً على امتداد سنوات، لكنه استطاع أن ينتقل بهذه العلاقة إلى خواتيم جيدة وايجابية وانتزاع الألغام الموجودة لتمرير القطوع وملء الفراغات من انتخاب رئيس إلى تشكيل حكومة وتحصين الجبهة الداخلية، وهذا ما يستوجب حل أزمة الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية من خلال مجلس النواب.
لكن في كل مرة يتقدم فيه البحث يطرأ جديد داخلي يؤخر بلورة نتائجه. من حرب غزة التي لم يكن متوقعاً أن تطول كل تلك المدة، إلى الأجواء الأخيرة المشحونة على أثر مقتل باسكال سليمان والضربة الايرانية لإسرائيل. المطلوب والمأمول أن يصل حوار بري باسيل إلى خواتيمه المرجوة. الأجواء ايجابية ويفترض أن تبدأ بالتبلور خلال الأسابيع المقبلة. والمهم فيه أن الطرفين حرصا على إبعاد المتضررين من العلاقة الايجابية ولو من داخل الفريق الواحد.