كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا تزال الروايات تتوارد حول عملية خطف وقتل منسّق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان. وفي انتظار انتهاء التحقيقات الرسمية لا يمكن تبديد مخاوف المواطنين، سواء أكانت الجريمة اغتيالاً سياسياً، كما اعتبر حزب «القوات» حتى إثبات العكس، أم عمل عصابات. كل تلك الأجواء تُرخي بظلالها على الساحة اللبنانية التي تعيش جوّ الحرب نتيجة تطوّرات الجنوب.
بعد انطلاق مسيرة التعافي التي قادها القطاع الخاص، جرى الحديث عن منطقة آمنة ومزدهرة تمتدّ من بعبدا والمتن وصولاً إلى البترون والكورة، وهذه المنطقة تحدّثت عنها تقارير غربية، حتى ذهب البعض إلى إطلاق تسمية بلاد «ما بين القاعدتين»، أي السفارة الأميركية في عوكر ومطار حامات في البترون الذي تستخدم واشنطن جزءاً منه.
وعاشت هذه المنطقة منذ نحو ثلاث سنوات ازدهاراً اقتصادياً وسياحياً فيما كانت بقية مناطق لبنان لا تزال تعاني تداعيات الانهيار وغياب الدولة، وساهمت هذه المنطقة في تأمين فرص عمل ولو موقتة لشباب من كل لبنان. والهزّة الأمنية الأخيرة في جبيل أثّرت سلباً، خصوصاً خلال عطلة العيد.
ومن جهة ثانية، يتمّ الترويج لفرضية تعرّض «القوات» لخرق أمني كبير في عقر دارها، فضلاً عن ضعف وجود محازبيها في مناطقهم. ومن يحاول إطلاق هذه الروايات حسب بعض القيادات الجبيلية والبترونية، لا يعلم «أننا نعيش في عام 2024 وليس 1990 وما قبل، فـ»القوات» تحوّلت إلى حزب سياسي، والتحرّك على الأرض يتمّ عفوياً وبين أبناء البلدات، لأنّ الاتكال هو على أجهزة الدولة».
ولحظة حصول حادثة خطف باسكال، تناقل الأهالي الخبر، وسارع البعض منهم في جرود جبيل، ومن جهة كسروان والمتن إلى الاستنفار، على اعتبار أنّ ما حصل هو عملية سرقة، وخطّ العمليات معروف، إما اعتماد طريق جرد جبيل، أو سلوك طريق ضهر البيدر أو ترشيش- زحلة، ولم يخطر لأحد سلوك طريق البترون وشكا في العمق المسيحي، ومن ثمّ التوجّه إلى العمق السنّي في طرابلس وعكار. وعندما كشفت التحقيقات التوجّه شمالاً، بادرت مجموعة من شباب عكار إلى التحرّك والرصد بتوجيهات من قيادات المنطقة السنّية لمساعدة القوى الأمنية على كشف مصير باسكال سليمان، لكنّ الوقت كان قد تأخّر، وهذا السيناريو يدحض كل من حاول بثّ الفتنة بين المسيحيين والسنّة مستغلاً قضية «فلتان النزوح السوري».
لا شكّ في أنّ الأهالي في جبيل وعكار وبقية المناطق قادرون على مساعدة الجيش والقوى الأمنية، لكنّ المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق أجهزة الدولة، وفي السياق، علمت «نداء الوطن» أنّ إحدى فاعليات عكّار البارزة وضعت منذ أسابيع أمام مسؤولين في أجهزة أمنية معلومات عن تحرّك العصابات في المنطقة، وسلّمتهم أسماء بعض رؤساء العصابات السورية واللبنانية التي تستغلّ المنطقة للتنقّل وأغلبيتها الساحقة من خارج عكار، وطالبت الأجهزة بوضع خطة ونشر حواجز، خصوصاً بعد معرفة طرق السير التي يتبعونها وأبرزها طريق الضنية- مرجحين في الهرمل والتي تتفرّع عنها عدة طرق، والطريق الثانية هي مشمش- فنيدق- الهرمل فالداخل السوري، خصوصاً أنّ خدمات بعض هذه العصابات يمكن «استئجارها» لأهداف غير السرقة والسلب وتجارة الممنوعات. وكان جواب القوى الأمنية الشرعية عدم وجود عناصر كافية لتنفيذ انتشار واسع، ووضع القوى الشرعية بعد الانهيار الاقتصادي منهك.
وتؤكّد مصادر أمنية لـ»نداء الوطن» أنّ خطف باسكال سليمان يُشكّل ضربة للأمن اللبناني، لكن هذا الأمر لا يعني أنّ المنطقة الآمنة أصبحت غير آمنة، فالجيش والقوى الأمنية لا يعملان على ضبط الأمن في منطقة واحدة، بل في كل لبنان، والدليل هو المداهمات المستمرة للجيش في بعلبك وضرب أوكار تجّار المخدرات، والمداهمات التي حصلت أمس الأول في بريتال من أجل توقيف مطلوبين.
وتعتبر المصادر أنّ لبنان في فترة أمنية حرجة، والعصابات تبدّل أساليب عملها وخططها، ففي السابق كانت الحدود الشمالية تُستعمل لتهريب المحروقات والطحين والبضائع فقط، أما سرقة السيارات وعمل العصابات الإجرامية فكانا شبه معدومين، وصارت العصابات تعتمد تكتيكاً جديداً ومعابر جديدة بعد ضرب مقارّها في بعلبك والسيطرة على الأرض بدءاً بزحلة، وتعتمد على خطّ الشمال. وتشدّد المصادر على استغلال بعض العصابات النازحين السوريين المتغلغلين في القرى والمدن لتنفيذ عمليات الرصد والمتابعة، ويشكّل بعض السوريين عصابات خطرة، وهذا الخطر يتمّ التعامل معه بجديّة، لكنّ المسألة تحتاج إلى حلّ على مستوى الدولة، لا إلى حلول جزئية.
يُترك للتحقيقات معرفة دوافع تنفيذ الجريمة سواء أكانت سياسية أم جرمية، لكن الأكيد حسب المتابعين أنّ الوضع الأمني لا يُبشّر بالخير، لذلك يتطلّب الأمر من وزير الداخلية والجيش وكل الأجهزة ومجلس الوزراء اتخاذ إجراءات سريعة لضبط النزوح السوري وتكثيف الانتشار الأمني في الشمال انطلاقاً من البترون وصولاً إلى عكار، وإقفال المعابر الحدودية غير الشرعية في عكار والبقاع، وإلا فالجرائم ستتكرّر، والداخلون على الخط كثر.