كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
بالتوازي مع ارتكاب مجموعة سورية جريمة خطف وقتل منسق «القوات» في جبيل باسكال سليمان والتداعيات التي تسارعت في الأيام التالية، نشأت موجتان في أوساط الرأي العام، الأولى تدعو إلى ضرورة فتح ملف عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلدهم، بينما انتشرت دعوات مضادة ترفض عودتهم وتدعو إلى الإبقاء عليهم باعتبارهم من السنّة بالتوازي مع نشر مقولات تنسف الشراكة الوطنية وتحديداً السنية – المسيحية، الأمر الذي كشف أنّ الغاية الكبرى لحملات التشويش هذه، هدفها تفكيك الوحدة الوطنية واستغلال الملف السوري لإحداث الشرخ وتحويل الصراع من أصله المتمثل في تعطيل محور «حزب الله» للانتخابات الرئاسية وتجميد الحياة الدستورية إلى اشتباك سني – مسيحي، يتخذ من الهجوم على «القوات» منصة لتحقيق أكبر قدر من الضرر بالحياة الوطنية.
كان الضغط الأكبر ولا يزال مستمراً لإحداث شرخ وصدعٍ كبير في علاقة «القوات» مع الشارع السني ولهذا جرى استحضار عنصر اللجوء السوري في لبنان بتصويره على أنّه نقطة اصطدام طائفية حزبية، وبدأ التصعيد الذي استدُرجت إليه رموز دينية إسلامية حصرت تركيزها على رفض التعرّض للسوريين، وهو أمرٌ مرفوض، وغاب عنها ضرورة نقاش ملف الوجود السوري في لبنان لأنّه بات يشكل خطراً على الأمن اللبناني ولم يعد يقتصر على الأعباء الاقتصادية والمنافسة غير الشريفة التي تحصل على حساب اللبنانيين.
إذا كان السوريون في لبنان يؤمنون بأنّهم من أهل السنّة فعلاً وحقّاً، والأغلبية الساحقة منهم تدخل وتعود من سوريا، أيّ أنّ هذه الأغلبية آمنة في التواجد على الأراضي السورية، فإنّ واجبها «السنّي» يفرض عليها العودة العاجلة إلى سوريا للعمل على ردم الصدع الذي أحدثه النظام بتهجير ملايين السوريين السنة وإخراجهم من البلاد. فواجب السوريين السنّة العودة لتعزيز وجودهم داخل سوريا، في حين تحوّل وجودهم في لبنان إلى عبءٍ كبير يؤثِّر حتى على المتعاطفين مع القضية السورية.
لا يمكن احتساب السوريين السنّة الموالين للنظام على أنّهم سنّة بالمعنى السياسي الذي يستدعي النصرة لهم، وهم الذين فضّلوا الانحياز إليه، حتى وهم مُحتَضَنون من البيئة السنية الرافضة للتطبيع مع نظام بشار الأسد، ومع ذلك زحفوا بمئات الآلاف لإعلان ولائهم للنظام من خلال التصويت للأسد في الاستفتاء الشهير لإعادة «انتخابه» رئيساً.
لا يصلح الشعار الديني لمقاربة أزمة الوجود السوري في لبنان، لأنّ جوهر الدين يرفض الظلم والأخوّة الإسلامية لا تعني الفوضى والاعتداء على حقوق الآخرين، بل الدين يحثّ على العدالة والإنصاف ويدين المنافسة غير المشروعة في الاقتصاد ويحرّم الاستغلال السيئ لحسن الاستقبال والجوار.
إنّ تطبيق القانون الذي يُلزم إعادة السوريين الذين يستطيعون العودة إلى سوريا لا يتناقض مع قيم الأخوّة الدينية والإنسانية، بل هو عين العدالة والإنصاف بعد أن تحوّل هؤلاء إلى مصدر فوضى وأذى، خاصة بعد أن اتضح أنّهم خاضعون بشكل مركزي للنظام السوري من خلال قاعدة معلومات مركزية يجري توجيههم من خلالها… لا بل جرى تنظيم بعضهم تحت إمرة رموزٍ من سرايا المقاومة كما هو الحال في المنية والجوار العكاري.
من المفيد هنا التذكير بالمبادرة التي أعلنتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في إطار المنتدى الدولي الذي عقده «المؤتمر الدائم للفدرالية» تحت عنوان «طريق السلام -1» من أجل شرق أوسط ديمقراطي بتاريخ 15 حزيران 2023، وأعلنت فيها الاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين الذين لا يستطيعون العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وهذا من شأنه أن يحلّ جزءاً مهماً من هذه الأزمة، في حين يبقى السوريون الذين يحتلّ «حزب الله» والميليشيات الإيرانية أراضيهم ومنازلهم في القلمون والقصير، وعدد هؤلاء محدود وينبغي أن يتعاون جميع اللبنانيين على إنفاذ القانون لأنّه لا يمكن القبول بأن يصبح عدد السوريين ضعفي أو ثلاثة أضعاف اللبنانيين في بعض بلدات البقاع، كما لا يمكن قبول خرقهم لجميع قوانين العمل وفوق ذلك تحوّل بعضهم إلى الأعمال الإجرامية بالتعاون مع ملاذات الفوضى في لبنان وعلى الحدود.