كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
سيخضع تحالف انتخابات نقابة المهندسين الذي أعاد النبض إلى علاقة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بالثنائي الشيعي، بجناحيه، أي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله»، للكثير من التدقيق، بحثاً عن متمماته غير المحسوسة والملموسة، اذا ما كانت له ملحقات ذات طابع أوسع وأكثر عمقاً من التفاهم النقابي… لا سيما وأنّ هذا التحالف الذي منح باسيل نصراً سياسياً يبحث عنه منذ فترة طويلة، يتزامن مع حركة مشاورات يجريها مع بري عبر النائب غسان عطالله، لا تزال إلى الآن محمية من الانتكاسات، ولو أنّ كُثراً لا يرون فيها إلّا محطة جديدة من محطات تقطيع الوقت، لأنّ باسيل ليس من قماشة السياسيين الذين يوكلون التفاوض في القضايا الحساسة لغيرهم.
في الواقع، فإنّ استثمار نجاح تجربة التفاهم النقابي، لتعميمه على ملفات أخرى، قد لا يكون مهماً بنظر البعض، بقدر ما لباسيل الرغبة في توظيف هذا «الربح» في علاقته مع حلفائه وخصومه على حدّ سواء. بمعنى أنّ الرجل عادة ما يلتقط «الهدايا» من هذا النوع، والتي تُقدّم له على قاعدة الاختيار بين «السيئ والأسوأ»، ويحوّلها فرصاً للضغط، أو بالأحرى لابتزاز من حوله، القريبين قبل الأبعدين.
وفق هؤلاء، قد يسكر باسيل بكأس «النصر» الذي حققه في نقابة المهندسين ليزيد من منسوب غنجه ودلاله على الثنائي الشيعي، ويرفع من سقف طموحاته في الملف الرئاسي، خصوصاً وأنّ الاستحقاق النقابي أكد ما هو مؤكد بالنسبة له: لا استغناء لـ»الثنائي» وتحديداً «حزب الله» عنه، لأنّ البديل سيكون مزيداً من تعزيز الحضور الشعبي لـ»القوات». هذه المعادلة وحدها كفيلة بدفع باسيل إلى التصلّب في موقفه الرئاسي والتمسك بخيار البحث عن مرشح ثالث، ليبتعد أكثر وأكثر عن خيار سليمان فرنجية.
ولكن هذه المستجدات لا تبدّل كثيراً في معطيات رئيس «تيار المردة» ولا في مقاربته لمجريات الاستحقاق كما يرى عارفوه. فهو لا يراهن بالأساس على انقلاب في موقف جبران باسيل ينقله من ضفّة الرافض إلى ضفّة المؤيد له، ولا يعتقد أنّ رئيس «القوات» سمير جعجع قد يفعلها. الباب مقفل من جانب القطبين المسيحيين، والعمل على تغيير هذا الواقع، صار أشبه ببناء القصور فوق الرمال. أكثر من 17 شهراً من الشغور كفيلة بسحب هذين الرصيديْن من «دفتر توفير» فرنجية الرئاسي. ومع ذلك، هو مقتنع أنّ ترشيحه لم يفقد صلاحيته ولم يوضع على الرفّ. المسألة برمتها صارت أبعد من الحدود اللبنانية والاعتبارات المحلية. ولهذا يسود الاعتقاد على ضفّة مؤيدي رئيس «المرده» أنّ التسوية الاقليمية ستجاري رياحه والأرجح أنّها ستأتي به رئيساً للجمهورية، مهما طال الأمر خصوصاً وأنّ التطورات بيّنت حاجة «حزب الله» إلى رئيس لا يخذله في الظروف الدقيقة.
يعتقد هؤلاء أنّ الالتقاء الأميركي- الإيراني ومعهما السعودي هو حاصل حتماً، ولكن يبقى السرّ في التوقيت، وأنّ هذا التقاطع حين سيحصل سيرفع من حظوظ فرنجية لدرجة حمله إلى قصر بعبدا، ولهذا تصير مسألة عدد الأصوات التي قد يحصل عليها تفصيلاً بسيطاً، بمعنى اكتفائه بأغلبية الـ65 صوتاً بعد تأمين النصاب في الدورتين الأولى والثانية، وهو شرط لا يتوفر إلّا بغطاء تسوية إقليمية تجعل كلّ القوى السياسية، لا سيما المعارضة لانتخاب فرنجية، تمتنع عن مقاطعة الجلسة ولكن من دون التصويت لـ»رئيس التسوية».
أكثر من ذلك، لا يرى هؤلاء أنّ مرحلة انتظار التسوية قد تطول كثيراً. بنظرهم قد يعيد التاريخ نفسه ولكن بوجوه جديدة، لجهة إسقاط ظروف ترئيس العماد ميشال عون وتوقيت حصول التقاطع الإقليمي الذي سمح بانتخابه رئيساً، على الدورة المرتقبة لانتخاب رئيس جديد. يقول هؤلاء إنّ التقاطع الذي وقع في العام 2016 على اسم ميشال عون حصل قبل أسابيع قليلة من إجراء الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية والذي أتى بدونالد ترامب رئيساً، حيث قد يتكرر السيناريو نفسه بمعنى حصول هذا التقاطع قبل أسابيع معدودة أيضاً من اجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية والمحددة بأول يوم ثلثاء من شهر تشرين الثاني، أي في الخامس منه، والتي قد تأتي هذه المرة بفرنجية رئيساً ضمن تقاطع يسمح بنهوض البلد من مأزقه. فهل ستتوفر هذه الظروف؟ أم أنّ الأحداث المتسارعة في المنطقة قد تبدّل كل المشهد؟