كتب ميشال طوق:
دائما ما نخطىء نحن الذين نتلهى بأمور الدنيا وشجونها ونستغرب بعض الأمور الإلهية البعيدة عن منطقنا وتفكيرنا الدنيوي البسيط، فلا نتقبل ولا نفهم تلك الأمور الماورائية التي لا تقدر عقولنا على تحمل حقيقتها ولا إستيعابها، فنرفضها مباشرة من دون أن نسعى الى فهمها وإدراكها بأحاسيسنا، لا بل بحاستنا السابعة.
في المفهوم الدنيوي الإنساني العادي الطبيعي، عندما تتدمر عشرات القرى وتخسر آلاف الشبان ويتكبد الإقتصاد خسائر بعشرات المليارات المباشرة وغير المباشرة، بينما العدو كانت خسائره ما لا يُذكر أمام هول هذه الأرقام، فمفروض أن تكون هذه هزيمة نكراء، لكن حتماً لا، ففي المفهوم الإلهي هذا إنتصار مبين ما بعده إنتصار.
منذ بداية الحرب السورية، أقله، يسرح الطيران الحربي الإسرائيلي ويدمر ما لذّ له وطاب في سوريا، ويغتال العلماء ويقوم بأعمال التخريب حتى في قلب إيران، وبعد عملية 7 تشرين، أصبح اللعب على المكشوف، وأصبح كل من يدور في فلك إيران وكل المسؤولين الإيرانيين على الأرض في سوريا، هدفاً للعمليات والمسيرات الإسرائيلية، واللائحة تطول، من عماد مغنية وصولاً الى المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني الذين سقطوا في قصف القنصلية الإيرانية في سوريا مؤخراً، ومعظمها كان بواسطة صاروخ من طائرة حربية أو درون.
وبعد سنين من التهديد بالرد في المكان والزمان المناسبين، وما يُفترض أنه رد على كل الإغتيالات والإغارات والتدمير الذي بقي لعشرات السنين من دون رد، شنت إيران هجوماً غير مسبوق بأكثر من 300 طائرة مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية على إسرائيل، كانت لتحدث دماراً كبيراُ لم تعرفه إسرائيل منذ وجودها، وإذ، وبينما كل الفضائيات تنقل مباشرة على الهواء، رأينا بأم العين أن جميع المسيرات والصواريخ يتم إسقاطها مثل العصافير، بدءًا من العراق وسوريا والأردن، وصولاً الى إسرائيل، وقد زمط، أو ربما تم السماح بسقوط عدة صواريخ في الجنوب الإسرائيلي، نتج عنها إصابة طفلة من عرب إسرائيل بجروح خطيرة!!
طبعاً كل التقارير كانت تشير الى أن إيران أبلغت الأميركيين بحدود ردها الفولكلوري للحفاظ على ماء وجهها، ورأينا أن ما حصل مطابق تماماً للسيناريو الموضوع مسبقاً والمسرب للإعلام، وكل ذلك مبرر عندنا لأن إيران عاجزة كلياً عن الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل وداعمتها أميركا، لما سيترتب عليها من دفع أثمان باهظة يمكن أن تؤدي الى زوال حكم الملالي فيها، بغض النظر عن كل العنتريات والتهيدات.
لكن ما هو مستغرب، أن تسارع إيران وعملائها الى إعلان النصر الإلهي بهذا الرد الفولكلوري وهذا الإذلال الغير مسبوق، الذي تمثل بإسقاط مئات المقذوفات من دون أن يصل أي منها الى أهدافها، ما أعطى إسرائيل دفعاً معنوياً كبيراً بفعل نجاح منظومتها الدفاعية التي أسقطت هذا الكم الكبير من المسيرات والصواريخ، ومن ناحية أخرى أعاد جمع العالم الحر كله من جديد وراء إسرائيل والإجهار بدعمه اللامتناهي لها، بعد أن علت الصرخات لهؤلاء بالذات، جراء ما تفعله إسرائيل في غزة وخاصة في رفح.
فهل من عاقل يترجم لنا كيف يتحول هذا الذل والإخفاق الى إنتصار إلهي؟؟ لأننا صراحة لم نستطع أن نستوعب بعقلنا الدنيوي البسيط كيف إنقلب هذا الفشل المدوي الى نصر إلهي، والذي تحول بعد دقائق قليلة من نهايته الى مادة هزلية من خلال مئات النكات والصور المضحكة والفيديوهات الساخرة؟؟
وسؤال أخير، ألا يجب تعديل الوقت الموضوع لمحو إسرائيل والذي حُدد ب7 دقائق ونصف؟؟
على ماذا إستند من أطلق هذا التهديد وقد إستغرق وصول الصواريخ والمسيرات الإيرانية من إيران الى إسرائيل ساعات!! أم أن الإتكال أيضاً على دفع إلهي يُسرع وصولها؟؟
الهي إلهي لماذا لم تخلق فينا عقلاً يستوعب تلك الأمور الإلهية؟؟!!