كتبت راكيل عتيق في “نداء الوطن”:
على عكس ما يحاول تسويقه «الممانعون»، شكلّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد اغتيال منسّق الحزب في جبيل باسكال سليمان، رأس حربة وأد الفتنة وتهدئة الشارع وليس إشعالهما. حتى «النزلة» إلى مكتب «القوات» في مستيتا، على رغم المخاطر الأمنية، كان هدفها امتصاص غضب «القواتيين» وضبط أي تحركات بما يمنع تفلّت الأمور. وهذا ما يعرفه تماماً جميع المسؤولين والمعنيين.
كذلك يعلم الجميع أنّ الغضب المسيحي وصل إلى ذروته بعدما طفح كوب السكوت عن هذه الممارسات والتعديات، وكان يُمكن أن يُشكّل اغتيال سليمان نقطة الذروة أو اللاعودة، ولو لم تعطِ القيادات المسيحية وفي مقدّمها جعجع، الضوء الأخضر لتنفيس الاحتقان والغضب بأي طريقة، لما كان التعبير سلمياً كما شهد الجميع، ما خلا بضعة اعتداءات مرفوضة على سوريين. وهذا ليس مُقتصراً على «القواتيين» فقط، بل إنّ مراجعة مواقع التواصل الاجتماعي وما ردّده أهالي قضاء جبيل وغيرهم من المواطنين في الأيام الأخيرة، كفيلة بإظهار النقمة المسيحية على دولةٍ تسرقهم وتقتلهم وتهجّرهم، بذلوا كثيراً من الدماء والعرق لتحقيقها، لكنّها لم تعد تشبههم أو تؤمّن لهم العيش الكريم الحرّ.
لذلك، يعتبر كثير من المسيحيين و»القواتيين» أنّه يجب اتخاذ خطوات عملية فورية للانتقال من هذه الوضعية إلى أخرى حتى لو وصلت إلى حدّ الانفصال عن هذه الدولة أو التقسيم. أقلّ ما قيل ويطالب به المسيحيون، بات اللامركزية المالية الموسّعة التي تشمل أيضاً «الأمن المحلّي»، فهم يلتزمون مواطنيتهم، يسدّدون الضرائب والرسوم المتوجّبة عليهم، يلتزمون الدستور والقوانين وواجبات أي مواطن، إلّا أنّهم في المقابل لا يحصلون من هذه الدولة على أي حقوق، ولا حتى على أدنى واجبات الرعاية الاجتماعية، فيما تلاشت الحماية الأمنية مع انهيار مؤسسات الدولة تبعاً لانهيار الليرة.
جعجع طرح هذه الهواجس باقتضاب في كلمته خلال مراسم جنازة سليمان، واختصرها بسؤال «وهلأ شو»؟ لكن إجابته أو كلمة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أو موقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لم تشفِ غليل الغاضبين والمُحبطين في آن. بعض النخب في الأحزاب المسيحية، سألوا: لماذا لم يدعُ البطريرك القادة الموارنة إلى اجتماع فوري إثر إعلان مقتل سليمان، ليُطالب إثره الجميع بتطبيق اللامركزية وإلّا «العصيان» وعدم «دفع أي قرش» لهذه الدولة وفرض اللامركزية؟ طالما أنّ باسيل لم يتمكّن من انتزاع هذا القانون من «حزب الله» حليفه على مدى سنوات، وطالما أنّ «الرئيس القوي» العماد ميشال عون لم يتمكّن خلال عهده الرئاسي وبتحالف قوي مع «الحزب» من فرض إصدار المراسيم التنفيذية لمحافظة جبيل – كسروان، المقرّة بموجب قانون من مجلس النواب؟!
بكركي والأحزاب المسيحية تتريّث ولن تنجرّ إلى أي ردة فعل لا توصل إلى المبتغى. ولا تزال البطريركية المارونية والأحزاب المسيحية الكُبرى متمسّكة بالدولة الواحدة و»اتفاق الطائف». كذلك لا تزال بكركي والقيادات المسيحية تراهن على المؤسسات الشرعية وتحديداً المؤسسة العسكرية. أمّا اللامركزية فلا تُفرض، بل إنّها تتطلّب سياقاً مؤسساتياً ودستورياً، من خلال تقاطعات مسيحية ووطنية، وهذا كلّه يتطلّب دراسة وتقويماً والعمل خطوة تلو أخرى، بحسب مصادر مسيحية متقاطعة.
بالنسبة إلى «القوات» تحديداً التي تمكنت من تكوين أكبر كتلة نيابية مسيحية، ويُطالبها حزبيون ومناصرون بـ»ردة فعل» توازي «الفعل – الجريمة»، فتشدّد على «أنّنا في مواجهة كبيرة، وهذه المواجهة تستدعي أن نتخذ الخطوات «على البارد» وليس على «الحامي». وبالتالي إنّها تتطلّب هدوءاً، فالمواجهات لا «تُربح» بالضربة القاضية بل بالتراكم، ونحن في وضعية تراكمية مستمرّة، وأظهر اغتيال سليمان أنّ هناك رفضاً شعبياً عارماً للتصفيات ولهذا الفلتان. هذا مع التركيز على أنّنا في إطار هذه المواجهة، تمكّنا منذ نحو سنة ونصف السنة من منع انتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» الرئاسي، وهذا ليس بالقليل».
وتشدّد مصادر مسيحية عدّة على أنّ أحداً لم يتهم «حزب الله» مباشرةً باغتيال سليمان بل إنّ الأمين العام لـ»الحزب» هو الذي سارع إلى ردة فعل غير مبرّرة استناداً إلى كلام الـ «سوشال ميديا».
وتعتبر هذه المصادر أنّ المسيحيين ليسوا «ضعفاء» بل إنّهم يلتزمون الدولة على رغم «علّاتها»، وهذه الرسالة وصلت إلى الجميع ومن بينهم «حزب الله»، بأنّ «القوات» يُمكنها أن تغلق أوتوستراداً ومدينة وشوارع، وأنّ الناس يقفون إلى جانبها وهناك التفاف شعبي ووطني لواقع سلاح «الحزب» ودوره وتعطيله للدولة وجعله الحدود مفتوحة والبلد كلّه ساحة مفتوحة مؤمناً جزيرة أمنية «آمنة» للعصابات.
بالنسبة إلى مقتل سليمان تحديداً، تشير مصادر «قواتية» إلى أنّها تنتظر نتائج التحقيقات النهائية لكي تبني على الشيء مُقتضاه، وإلى ذلك الحين تعتبر أنّه «اغتيال سياسي»، مؤكدةً في الوقت نفسه على عكس ما يُشاع ويُسوّق أخيراً، أنّ «الثقة في الجيش مشروعنا، وأن ينتشر الجيش ويسهر على الحدود وأن لا يكون هناك سلاح الّا في أيدي الجيش والقوى الأمنية. هذا منطقنا وسرديتنا وخلفيتنا وهدفنا، لكي نصل إلى دولة فعلية».