كتب رامي الرّيس في “نداء الوطن”:
ما لم تغيّر القوى السياسيّة من مقارباتها وعِنادها، سيبقى الشغور الرئاسي مقيماً في الحياة الوطنيّة اللبنانيّة في لحظة شديدة الحراجة والحساسيّة على مختلف المستويات. وما لم تجتهد الأطراف المحليّة بالفعل لفصل مسار التطورات الداخليّة عما تسعى إليه بعض الدول الصديقة للبنان، سيبقى الانتظار سيد الموقف.
ثمّة إشارات جديّة بأنّ نضوج فكرة «تسيير» انتخاب الرئيس اللبناني بمعزل عن مآلات الحرب الإسرائيليّة المسعورة على قطاع غزة بات أمراً ملحاً وضرورياً، وأنّ الواقع الداخلي اللبناني يزيد انكشافه سياسياً وأمنيّاً بفعل العديد من العوامل وفي طليعتها حالة الفراغ المؤسساتي والتعثر الدستوري الذي استطال خصوصاً أنّ الحكومة القائمة هي حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيّة، وبالتالي هي مكبلة عن القيام بوظائفها التنفيذيّة عدا عن أنّها ليست مكتملة النصاب أيضاً بفعل مقاطعة أطراف سياسيّة لها.
لا يمكن الركون حصراً إلى ما تقوم به بعض الدول «الصديقة» للبنان من دور سياسي مشكور لتسهيل انتخاب الرئيس، على الرغم من أنه من المفترض أن تكون هذه مهمة لبنانيّة بحتة تحددها الأصول الدستوريّة وتنجزها التفاهمات السياسيّة أو الاقتراع المباشر. ولكن، لم تكن الأمور يوماً سهلة في لبنان أو إنسيابيّة بهذا الشكل.
لطالما كان انتخاب الرئيس اللبناني هو عبارة عن تسوية سياسيّة خارجيّة – محليّة، ولكن توسع الهامش المحلي لم يقف حائلاً، رغم ندرة حصوله، دون إتمام العمليّة بالشكل المطلوب. انتخابات الرئاسة اللبنانيّة سنة 1970 تقدّم مثالاً متقدماً (ولو يتيماً) عن هذا الأمر. ثمّة مسؤوليّة جديّة تتحمّلها الأطراف السياسيّة، خصوصاً تلك التي تملك ناصية القرار في البلد، لتسهيل هذا الأمر والحيلولة دون استمرار الشغور إلى ما لا نهاية.
المعلومات الأمنيّة التي تحدثت عن عمليّة نفّذها جهاز «الموساد» الإسرائيلي في قلب لبنان، وتحديداً في بلدة بيت مري، إذا ما ثبتت تماماً، فإنها تعطي مؤشراً حول حجم المخاطر الأمنيّة الكبرى التي تعيشها البلاد. أن تأتي فرقة استخباريّة معادية، عبر مطار بيروت الدولي، لتنفيذ عمليّة إغتيال ومن ثم تغادر الأراضي اللبنانيّة وكأن شيئاً لم يكن، لهو أمر مشين ومثير للقلق حقاً، وهو يفتح باب التساؤلات المشروعة حول طبيعة النظام الأمني المتوفر للبنانيين وكيفيّة تحصينه.
التساؤلات تنسحب أيضاً على الجريمة المشينة التي استهدفت باسكال سليمان بكل ظروفها والتباساتها وعلامات الاستفهام المتصلة بها والتي تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة ودقيقة، لا سيما أنّها كانت كفيلة بجرّ البلاد إلى فتنة كبرى لا تحمد عقباها. من حق اللبنانيين معرفة كيفيّة حصول هذه الجرائم والأهم هو معرفة كيفيّة الوقاية منها.
لا شك أنّ القوى السياسيّة «المعاندة» في الملف الرئاسي، وهي عديدة، ومن الجهات المتقابلة، لا يمكنها مواصلة سياسة الانتظار إلى ما لا نهاية. اللعبة ليست لعبة عض أصابع أو من يتألم أولاً فيتراجع. المسألة أكثر خطورة من ذلك، مستقبل البلد برمته على المحك، وهو على شفير الانفجار.
حتى في المجال الاقتصادي، حيث باتت الخطوات المطلوبة معروفة ومحددة، وبعضها قابل للتطبيق، لا يحصل فيها أي تقدّم يُذكر، لا بل على العكس التراجع يبقى سيّد الموقف. قضيّة الودائع، على سبيل المثال، تكاد تدخل في غياهب النسيان في ظل عدم توفر مبادرات جديّة لمعالجتها في لحظة المراوحة السياسيّة، والملفات المتراكمة الأخرى لا تجد من ينفض عنها الغبار.
اللبنانيون ينتظرون الكثير ولا يرون أي بصيص أمل، فقط تراهم يتمسكون ببلادهم لأنّها أرضهم وموطنهم. إنهم يستحقون أفضل من ذلك.