كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تغيّب السفير السعودي وليد البخاري عن زيارة بنشعي برفقة سفراء اللجنة الخماسية بسبب إصابته بوعكة صحية «سياسية». تلافى زيارة مرشح لئلا تظهر بلاده طرفاً في دعم هذا أو ذاك من المرشحين. التخلّف عن زيارة بنشعي أثار انزعاج رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية والدائرة المحيطة، خصوصاً أنه كان أظهر بادرة حسن نية تجاه المملكة العربية السعودية يوم قصد دارة البخاري في اليرزة الى مأدبة الإفطار، في وقت جال فيه البخاري على مختلف القوى السياسية. وصلت الرسالة إلى «حزب الله» ومفادها أنّ مرشحكم لا يحظى بتأييد طرف أساسي في المعادلة الرئاسية. استعاض البخاري عن زيارة فرنجية بزيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ليثبت حسن العلاقة وعودة الودّ بعد قطيعة. وهذه أيضاً رسالة مفادها أنّ باسيل صار أقرب من فرنجية، خاصة متى حظي السفير السعودي بحفاوة استقبال ميّزته عن آخرين.
منذ قرّر السفراء استئناف جولتهم على السياسيين كانت زيارة البخاري لفرنجية و»حزب الله» موضع جدل داخل «الخماسية». يومها فضّل سفير قطر في لبنان الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني لو تقوم «الخماسية» مجتمعة بالزيارات بدل أن يكون عملها مجتزأً. لكن البخاري أصرّ على التغيّب، لأنّ لا قرار بزيارته فرنجية الذي تنظر إليه السعودية على أنه مرشح «حزب الله». والصفة الأخيرة تلك تجعل مقاربة ترشيحه من قبل الممكلة مختلفة عن مقاربة غيرها من دول «الخماسية»، لكأن المملكة الحديثة في حلّ من علاقة الودّ التاريخية التي جمعت آل سعود بآل فرنجية.
عندما لا تحمل «الخماسية» اقتراحاً جديداً تشخص الأنظار الى تفاصيل دقيقة تتصل بالشكل وتهمل المضمون. فيصبح عدد السفراء زيادة أو نقصاناً مثار بحث، وإن حاول السفير المصري علاء موسى التأكيد أنّ هذه المسألة لا تقدّم ولا تؤخّر على مستوى عملهم كلجنة. يقول موسى انهم اتفقوا «على عناوين رئيسية مهمة جداً أبرزها ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، ويجب فصل الأحداث في الجنوب عن الملف الرئاسي». كلام فضفاض لا ينطوي على أسس سبق وتردّد عقب كل زيارة، وقد امتدّ «أسرع وقت» لإنتخاب الرئيس إلى سنوات. أما مسألة فصل الجبهات فشأن لا يتوقف حسمه على «الخماسية» أو أي طرف ثانٍ بقدر ما يتوقف على الجهة المعنية أي «حزب الله» الذي لم يمنح رئيس كتلته محمد رعد ما يطمئن «الخماسية» لا لجهة الحوار أو فصل الجبهات، بل تمسك بترشيح فرنجية ورفض أي حوار لا يكون برئاسة رئيس المجلس نبيه بري، كما رفض مبدأ جلسات الانتخاب المتتالية.
بنتيجة جولتها، لمست «الخماسية» أنّ طرح الحوار ليس بالسهولة التي كان يتصورها البعض. حين طرحه رئيس مجلس النواب حلاً جرى التصدي له حتى من أطراف في «الخماسية» باعتبار أنّه طرف. لاحقاً عادت «الخماسية» ذاتها تطلب منه الدعوة إلى جلسة حوار، فاعتذر باعتبار أنّه طرف مؤيد لمرشح رئاسي. ثم عادت نغمة الحوار مع مبادرة تطوعت لها «كتلة الإعتدال» النيابية التي اقترحت حواراً تليه جلسات انتخاب مفتوحة على ألا يكون الحوار بقيادة رئيس المجلس فكانت تلك بدعة رفضها «حزب الله» ولم يتقبّلها آخرون .
هنا أيضاً تحوّل الحوار من حلٍ إلى أزمة حيث الخلاف حول ادارته والمشاركين والموضوعات المطروحة. وبدل أن يكون الحوار مخرجاً للحل تحوّل عقدة إضافية تعترض الاتفاق على الملف الرئاسي. تؤكد مصادر سياسية رفيعة على ربط الحوار بجبهة غزة والجنوب، وتقول: كما أنّ الرئاسة رحّلت إلى ما بعد نهاية حرب غزة ووقف جبهة الجنوب، كذلك الحوار الذي يراه «حزب الله» مستحيلاً في ظل التطورات الميدانية المتلاحقة في لبنان والمنطقة.
واذا كان لا حوار ولا رئاسة فإنّ جهود «الخماسية» لن تزيد عن محاولة جسّ نبض واستكمال المحاولات إلى حين يخرج الدخان الأبيض من لاعبَين أساسيين هما إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأي حديث خارج ذلك يجافي الواقع. حتى «حزب الله» الذي يقول لمستفسريه إنّ الرئاسة صناعة لبنانية ويمكن انتخاب رئيس بالتوافق بين اللبنانيين، فإنّ في منطقه شيء من اللامنطق حيث لا يبدو هو مستعداً للتفاوض على بديل من مرشحه ما لم تتوضح التسويات في المنطقة ربطاً بحرب غزة والوضع في الجنوب، وهو يعلم أنّ حظوظ مرشحه لن تتوافر ما لم تكتمل شروط التسوية عليه، وإلا فعلى البديل.
في الاسبوع المقبل ستعاود «الخماسية» زيارة بري لوضعه في خلاصة تصورها الذي ستضمّنه تقريراً إلى دولها، كما تسعى «كتلة الاعتدال» إلى مواصلة حراكها ولو بصيغة جديدة أو معدّلة. كلها مجرد محاولات لا تبشّر بأمل خرق جديد، لأنّ الخرق المطلوب يفترض أن يولد من مكان آخر ليستثمر في الداخل وهو لم ينضج بعد حيث تتقدم احتمالات الحرب على ما عداها.