IMLebanon

باسكال وسرور جريمتان وتحقيقان: من هي السيدة زينب؟

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:

في 3 نيسان الحالي اختفى محمد سرور الموضوع على لائحة العقوبات الأميركية لدوره في تمويل حركة «حماس» ولعلاقته مع «حزب الله» وإيران. وفي 7 نيسان خُطف وقُتل باسكال سليمان، منسِّق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل، ونُقل إلى سوريا. بينما كان يتم الكشف بعد يومين، عن مقتله والعثور على جثته، والجزم بأنّ عصابة سرقة سيارات نفّذت الجريمة، كان يتمّ العثور على سرور مقتولاً في فيلّا في منطقة المونتي فردي، التابعة لبيت مري، مع اتهام الموساد الإسرائيلي بأنّه تولّى عملية استدراجه وقتله.

في حين ذهبت التحقيقات الأولية نحو تقديم رواية نهائية في وقت قياسي وسريع في قضية باسكال، وفي حين تمّ الإعلان عن توقيف عدد من المتّهمين بتنفيذ العملية، من خطفه وقتله في بلدة الخاربة في جرد جبيل، ونقله في سيارته إلى منطقة القصير في سوريا، بقيت قصة محمد سرور غامضة، وبقي اتهام الموساد الإسرائيلي معلّقاً على تحقيق يبدأ في بيت مري ولا ينتهي في العراق. وفي حين كانت جثة سليمان بعد تصويرها تنقل من سوريا إلى لبنان، وكذلك سيارته، في شكل علني وسط تغطية إعلامية مكثّفة، لم يحصل أن وُزِّعت صور عن جثّة سرور حيث وجدت في فيلا المونتفردي، ولا عن نقله من هناك إلى أي مستشفى حكومي أو تابع لـ»حزب الله»، قبل دفنه في مسقط رأسه في اللبوة في البقاع.

فوارق بين جريمتين

الفارق كبير بين تحقيق يتعلّق باغتيال مسؤول في «القوات اللبنانية» ومسؤول ينتمي إلى «حزب الله». كانت الترجيحات كلها تذهب في اتجاه أن يكون اغتيال سليمان جريمة سياسية، وكانت كل التسريبات من التحقيق تريد أن تقول إنها جريمة سرقة عادية، وكانت الدعوات مكثفة إلى عدم استغلال «القوات» لهذه الجريمة، وإلى عدم الإيحاء بأن «حزب الله» نفّذها كما حصل في جرائم أخرى اتُّهم بارتكابها. ولذلك أيضاً بدأ الحديث عن أن مقتل سرور في بيت مري لا يعني أنّه يجب توجيه التهمة إلى البيئة التي حصلت فيها الجريمة، وبالتالي ربط «القوات» بها، قبل أن يبدأ الربط باختراق الموساد الإسرائيلي للأمن اللبناني ككل واعتبار أن إسرائيل تجتاح لبنان أمنياً واستخباراتياً.

لا يمكن المقارنة بين جريمة سليمان وجريمة سرور من حيث الوقائع والدوافع والتنفيذ. ولكن يمكن الفصل بين جريمة وأخرى من حيث الإنتماء السياسي للضحية. إذا كان المطلوب تقديم رواية غير متماسكة في قضية سليمان، فإنّ الوقائع لم تسمح بتقديم رواية متكاملة في قضية سرور. لا شكّ في أنّ القوى الأمنية والقضائية تعاطت بشكل مختلف في القضيتين. اذ يظهر في قضية سرور أنّ المسألة تحتاج إلى تحقيقات مفصّلة أكثر يلعب فيها «حزب الله» دوراً رئيسياً، سواء أكان بالتعاون مع الأجهزة الرسمية أو من خلال تحقيق مستقلّ عليه أن يقوم به، لأنّه يخوض حرباً أمنية لا هوداة فيها مع الموساد الإسرائيلي، فكيف إذا كان الإختراق بهذا الحجم الذي سمح باستدراج سرور إلى الفيلّا وبالتحقيق معه وبتصفيته والخروج من مسرح الجريمة من دون ترك أدلّة، الأمر الذي يجعل مهمة تعقّب المنفّذين مهمة صعبة وشاقّة وتستدعي الكثير من البحث والتدقيق.

ليس سرور صرّافاً عادياً

ليس محمد سرور مجرّد صرّاف عادي. وليس مجرّد عامل في نقل التحويلات المالية. بحكم وضعه على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية منذ العام 2019 ودوره في التحويلات المالية بين «فيلق القدس» و»الحرس الثوري» وحركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة بملايين الدولارات منذ أعوام، كان من المفترض أن يتمتّع بوضع حماية خاص، أو بأن يعتمد هو شخصياً هذه الحماية، إلّا إذا كان يعتبر أنّه يتحرك في بيئة آمنة لا تستدعي كل ذلك.

اذ أن وضعه على لائحة العقوبات لا يقترن بملاحقة أمنية تهدّد حياته نظراً إلى أنّ قرارات العقوبات التي طالت كثيرين غيره لم تقترن بعمليات أمنية طالت الموضوعين على اللائحة، باستثناء عدد محدود ممّن اتّهمتهم واشنطن بتمويل «حزب الله» واعتقلتهم ثم أطلقتهم، كما حصل مع قاسم تاج الدين الذي أفرجت عنه في 8 تموز 2020 وأرسلته إلى لبنان ليختفي عن الأنظار منذ ذلك التاريخ، حتى ولو قيل وقتها أن إطلاقه جاء نتيجة عملية تبادل موقوفين مع إيران لعب فيها مدير عام الأمن العام السابق اللواء عباس ابراهيم دوراً رئيسياً.

في قضية باسكال سليمان ثمة نقاط مبهمة لم تنجلِ بعد. حتى أنّ وزير الداخلية القاضي بسام مولوي قال أكثر من مرّة أنّ من حقّ الناس أن يكون لديها تساؤلات مشروعة حول خلفيات الجريمة ومنفّذيها. ومن بينها السرعة في توقيف عدد من السوريين المتهمين، وفي تسليم بعضهم إلى القوى الأمنية اللبنانية التي تولّت التحقيق في الجريمة، وفي الإعلان السريع عن أنّ هدف العملية كان السرقة فقط. وما يزيد من هذه التساؤلات عدم توقيف متهمين آخرين، ومن بينهم لبنانيون قد يكونون يتمتّعون بحصانة تمنع توقيفهم وتسليمهم، خصوصاً أنّهم يتحرّكون عبر الحدود بين لبنان وسوريا من دون أن يكون لديهم خوف أو خشية.

في قضية محمد سرور الأسرار المحيطة بالجريمة كثيرة:

• لماذا كان الرجل مستمرّاً في عمله في تحويل الأموال، وليس الصيرفة بالتحديد، على رغم وضعه على لائحة العقوبات الأميركية؟ وكيف كان يعمل؟ ومن أين كان يحصل على الأموال التي يحوِّلها ولمن يحوِّلها؟ وهل كانت وبقيت علاقته عضوية مع «حزب الله»؟

• إذا كانت علاقته عضوية مع «الحزب» فكيف كان بإمكانه أن يدخل في عملية تسليم أموال بهذه الكمية في منطقة بيت مري وبهذه السهولة على دراجة نارية مكشوفة مع ابن شقيقه في المرة الأولى ثم لوحده في المرة الثانية؟

• اسم واحد ظهر في التحقيقات هو للسيدة التي دعيت زينب حمود وتتحدّث لهجة بعلبكية. هل كان سرور يعرفها من قبل حتى دخل في هذه العملية على مرحلتين ومن دون أن يكون لديه شكوك وهو الذي يجب أن تكون لديه شكوك؟

• إذا كانت التحويلتان أتتا من العراق فكيف كان يتمّ تحويل المال من العراق إلى سرور حتى يسلّمه هو لمن طلبوا منه تسليمه إليه؟ وهذا يعني أنّ الخرق الحاصل يمكن أن يكون بدأ من العراق ومن الجهة التي طلبت تحويل المال إلى شقة بيت مري.

• ما سُرِّب من التحقيق كشف أن التحويلة الأولى تمّت بعد اتصال السيدة زينب بسرور طالبةً منه تسليمها المال في بيت مري. وكشف أيضاً أنّ التحويلة الثانية جاءت في اليوم التالي الأربعاء 3 نيسان باتصال تلقّاه سرور من صرّاف في العراق. طالما أنّ سرور موضوع على لائحة العقوبات، فهذا يعني أنّه لم يكن يعمل في تحويل الأموال كأي شركة شرعية من الشركات التي تقوم بعمليات التحويل. وهذا يعني أيضاً أنّه في العمليات التي يقوم بها يجب أن يكون على بيّنة ومعرفة بالجهة المرسِلَة والجهة المُرسَل إليها. اذ أنّ عمله يحتِّم عليه أن يتحرّك ضمن شبكة تحويل وتمويل خاصّة ومقفلة وموثوقة.

• إذا كان سرور اختفى منذ 3 نيسان وتأخّر عن الحضور إلى فطوره مع عائلته، فلماذا لم يبدأ البحث عنه فوراً؟ وهل كان هناك تسليم بأنّه ليس في خطر أو أنّه في مكان يعرفه ومألوف؟

• إذا كان هاتفه أُقفِل في الشقة التي قصدها يوم اختفائه، فلماذا لم يتمّ تحديد موقعه فوراً من خلال تتبع موقع هاتفه؟ ولماذا قيل إنّ الكشف عن مكان وجوده بعد ستة أيام جاء نتيجة تتبّع الكاميرات في المنطقة؟

• لماذا ترك المنفذون أدوات الجريمة في مكان حصولها؟ ولماذا وضعوا المسدّسين وكواتم الصوت والقفازات في محلول كيميائي لمحو البصمات ولماذا تركوا الـ6500 دولار منثورة فوق الجثة؟ ولماذا غادروا خلال أربعين دقيقة؟ وهل كان لديهم خوف من اكتشاف مبكر لاختفاء سرور وتحديد مكان وجوده وهو الأمر الذي لم يحصل؟

• طالما أن هناك تسليماً بأن المجموعة المنفّذة من الموساد فلماذا تشتري هذه المجموعة سيارة؟ لماذا لم تستأجر واحدة مثلاً؟ ولماذا أرادت تثبيت كاميرا وجهاز GPS داخل السيارة؟ ولماذا اسـتأجرت الفيلّا لمدة عام؟ وهل كان استهداف سرور يستدعي كل هذه الكلفة وهذه المخاطرة؟

• إذا كانت المجموعة أتت من خارج لبنان فمن أين حصلت على المسدسات؟ هل جلبتها معها أم اشترتها من داخل لبنان؟ ولماذا تركتها ولم تعمد إلى أخذها معها أو رميها وإخفائها؟

• هل قرار دخول الفيلّا بتأخّر ستة أيام كان سببه انتظار الحصول على موافقة القضاء على اقتحام هذه الفيلّا؟ أم أنّ هناك أسباباً أخرى أدّت إلى هذا التأخير؟ ولو حصل الدخول فور اكتشاف أنّه دخل إليها هل كان من الممكن أن تتبدّل معطيات التحقيق؟

• هل يمكن أن تكون المجموعة دخلت إلى لبنان عبر معابر برية وليس عبر المطار؟ وهل توجد في هذه المعابر كاميرات مراقبة؟ أم أنّها يمكن أن تكون دخلت عبر معابر غير شرعية؟

إذا كانت جريمة قتل سليمان تستدعي المزيد من التوضيحات لجلاء كامل للحقيقة، فإنّ جريمة اغتيال سرور تستدعي أيضاً الإسراع في التحقيق لكشف كامل الملابسات التي أحاطت بعمله، الشرعي أو غير الشرعي، ولتحديد هوية السيدة زينب التي رآها مع ابن شقيقه ويمكن وضع رسم تشبيهي لها.

ما يجب التوقف عنده أنّ الإختراق الإسرائيلي ليس في بيت مري إذا صح الإتهام، لأنه يمتد من بيت مري إلى السيدة زينب في دمشق وصولاً إلى طهران وأصفهان.