جاء في “الراي الكويتية”:
ليس خافياً أن تكثيفَ الحِراك الديبلوماسي الأوروبي – الأميركي – العربي حول لبنان وفي اتجاهه يعكس في جانبٍ رئيسي منه الخشية الكبيرة من أن يتم زجُّ «بلاد الأرز» في قلْب «إعصار نار» تلفّ رياحه الساخنة جبهة الجنوب ومحاور أخرى يتمدّد إليها العصفُ العسكري كلما دعتْ الحاجة إلى «التذكير» بقواعد الاشتباك المتقابلة أو إرساء معادلات جديدة تُراعي التحوّلات، كمّاً ونوعاً، في الميدان الذي بات مسرحاً لمكاسرةٍ لم تكسر بعد خط الرجعة عن حربٍ كبرى لا يريدها أحد ولكن الجميع قد يجدون أنفسهم في… فوهتها.
وفي حين كانت زيارةُ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لباريس أقوى مَظاهِر رفْع الاهتمام الفرنسي بالواقع اللبناني ومَخاطره العالية إلى المستوى الرئاسي المباشر، فإنّ التحرّكَ الذي ينخرط فيه الاتحادُ الاوروبي بقوة في ما خص ملف النازحين السوريين يؤشّر بدوره إلى استشعارٍ مزدوج: أولاً بوطأة هذه القضية على القارة العجوز نفسها التي تريد قطع الطريق على أن يتحوّل النزوح بمثابة «ثقب أسود» في خاصرتها بحال أرْخى لبنان أكثر الحبلَ لهجرتهم غير الشرعية عبر البحار. وثانياً بعدم قدرة الوطن الصغير، الذي يعيش حرب استنزاف عبر جبهته الجنوبية منذ 8 اكتوبر، على تحمُّل أعباء عناوين يُخشى أن تتحوّل جاذبة صواعق في الوقت الذي يقف على حافة صِدام كبير، قد يقع غداً وربما لا يقع أبداً.
وإذ تَصَدَّرَ ملفُ النازحين واجهةَ المشهد السياسي أمس مع جولة مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفر فارهيلي على المسؤولين اللبنانيين تحضيراً لزيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 2 مايو المقبل حيث سيرافقها الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس للإعلان المفترَض عن حزمة مالية من الاتحاد لمساعدة لبنان في موضوع اللجوء السوري تحضيراً للمؤتمر الذي سيعقد في بروكسل أواخر الشهر نفسه، انشغلتْ الكواليس بارتفاع منسوب التحذيراتِ من أن تندفع اسرائيل في هجومٍ على لبنان يستظلّ تجديد ضخ التمويل الأميركي في شرايين الدعم العسكري والأمني لها وحاجة تل أبيب الى «بَدَلٍ عن ضائع» شكّله «الردّ الأسرع من الصوت» ولكن مع كاتم للصوت على الضربة الإيرانية التي لم توفّر عنصراً من «المؤثرات البصرية والصوتية» يوم 14 الجاري.
قراءة بين حدين
ورغم ثبات أوساط واسعة الاطلاع على تقويمها بأن المدى المنظور لا يشي بتبدّلٍ في توقُّع استمرار المواجهات على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية في نطاق الحرب المحدودة التي تتوسع بانضباطٍ وفق مقتضيات الميدان، وبأن أي توسيع لها يصعب تَصَوُّر أن يخرج عن قتالٍ لأيام تعتقد تل أبيب أن بإمكانها على وهجه استدراج المجتمع الدولي للضغط الأقصى لبلوغ تفاهمٍ بات اتفاقُه الإطار شبه منجَز من واشنطن عبر موفدها آموس هوكشتاين، فإنّ زيادة المعاينة الخارجية اللصيقة للوضع اللبناني تراوح قراءتها بين حدين:
الأول استقراء خطرٍ حقيقي من أن الصِدام الكبير هو أمر جدي من جانب اسرائيل وأن حتى أيام قتالية محدودة لا أحد يملك التحكّم بمآلاتها على قاعدة أنه يمكن معرفة متى تبدأ ولكن ليس متى وكيف تنتهي. ومن هنا مثلاً يمكن فهْم ما كُشف في ضوء محادثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ميقاتي عن أن في الاليزيه مَن يتوقّع هجوماً إسرائيلياً على لبنان على غرار ما تقوم به الدولة العبرية في غزة (في مقابل رأي آخَر يرى ان إسرائيل ستستمرّ في ما تقوم به في الجنوب من عمليات) وأن ماكرون (كما نقلت صحيفة «النهار») طلب من رئيس الحكومة ان يدفع «حزب الله» الى عدم الاستمرار في ربط القصف على اسرائيل بحرب غزة، وأنه عمل مع الاميركيين على تهدئة الجيش الإسرائيلي على هذه الجبهة.
وفيما زار أمس رئيس هيئة أركان الدفاع البريطانية هارفي سميث لبنان في إطار جولته على المنطقة «وجرى البحث في الوضع في جنوب لبنان وضرورة العمل على خفض التوتر ووقف اطلاق النار»، عزّز المخاوفَ تصريح الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس عن «اننا في الجبهة الشمالية، نقترب من نقطة الحسم (مع لبنان) في كيفية المضي قدماً في نهجنا العسكري. وهذه هي جبهة العمليات التي تواجه التحدي الأكبر والأكثر إلحاحاً، ويجب أن نتعامل معها على هذا الأساس».
والحدّ الثاني الانطباع بأن السباق الذي يشتدّ بين الديبلوماسية والميدان هو في إطار استعجال إنهاء الأرضية لـ «هبوط آمن» على متن اتفاقٍ لـ «اليوم التالي» لبنانياً، باتت المفاضلة فيه بين ورقة فرنسية حاول ماكرون تقديم نسخة جديدة منها تُراعي تحفظاتِ لبنان ومحور الممانعة الذي سبق أن رفع بوجهها البطاقة الحمراء باعتبار أن ما ينسفها من داخلها هو دعوتها لفصل جبهة الجنوب عن حرب غزة، وبين طرحٍ أميركي أكثر واقعية حمله هوكشتاين لتطبيقٍ ناعم ومتدرّج للقرار 1701 لا يحرج حزب الله بشروطٍ مثل الانسحاب «الحاد» من جنوب الليطاني أو الى «مسافة آمنة» بحوالي 10 كيلومترات، ويشقّ طريقَه مع انكفاءِ أو انطفاء كرة نار غزة وصولاً إلى ترتيباتٍ حول الحدود البرية تسحب صواعق خلافٍ مزمن (لا يشتمل على مزارع شبعا) وتكون منطلقاً لاستقرار على «سيبة ثلاثية» أمنية وسياسية (الانتخابات الرئاسية) واقتصادية.