كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
المؤامرة مستمرة، ومخطئ من يعتقد خلاف ذلك. المؤامرة على لبنان الكيان والدولة والرسالة. مؤامرة أخفقت تكرارا من جانب المتربصين بوطن التعددية والعيش المشترك ، بيد انها تبدو تقدمت أشواطا نحو التحقيق، بدليل الحال التي بلغتها البلاد منذ الانتخابات النيابية الاخيرة، حيث التعطيل يتسيّد كل الاستحقاقات الدستورية في الدولة.
في عهد الرئيس ميشال عون ومنذ نحو عامين أنجز آخر استحقاق دستوري. انتخب اللبنانيون 128 نائباً شكلوا مجلس نواب الـ2022، وعند هذه النقطة وقفت عجلة مؤسسات الدولة وبدأ عهد العجز والتمديد. عجزٌ عن تشكيل حكومة على رغم وجود رئيس جمهورية وتمديدٌ لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي المُصرِفة للأعمال. عجزٌ عن انتخاب رئيس جمهورية بعد عام ونصف العام على مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا، على رغم النص الدستوري الواضح الملزم انتخاب رئيس ، الا ان الدستور بات وجهة نظر يفسره كل فريق سياسي بما يتناسب ومصالحه، وخرق القوانين او القفز فوقها اصبح عادة والذريعة غب الطلب دوما، غياب القرار السياسي.
التعيينات الاساسية والضرورية ممنوع اجراؤها ومسلسل التمديد يتوالى للقادة الامنيين والعسكريين والمدراء العامين وكل من تنتهي ولايته والحبل عالجرار.
حتى انعاش البلديات وضخ الدم في عروق المخاتير ممنوع ، وبعد غد سيشهد اللبنانيون على فصل جديد من فصول التمديد للبلديات، المُعطل اكثر نصفها بحجة عدم جواز اجرائها في ظل الحرب في الجنوب، علما ان القرار سياسي اتخذه الثنائي الشيعي بعدما ربط كل الاستحقاقات بمصير حرب غزة غير المعروفة افقها وموعد انتهائها.
بالمختصر المفيد، يبدو لبنان الدولة كتِركة ثقيلة يجري العمل على تصفيتها، وأكثر، ولشديد الاسف، كمزبلة لشعوب المنطقة يرمون فيها كل الازمات والمشاكل والاوبئة السياسية والعسكرية. أزمة سوريا حطت اوزارها في لبنان ، فـ”لفظ” بشار الاسد اكثر من مليون ونصف مليون نازح من بلاده الى بيروت حتى غصت بهم وفاق عددهم نصف عدد اللبنانيين ممن لم يهجروا الوطن بعد، يعيث عدد كبير منهم فسادا وسرقة وجرائم على امتداد البلاد بمبادرات فردية منهم او بتكليف من جهات توظفهم، على غرار حادثة خطف واغتيال مسؤول منطقة جبيل في القوات اللبنانية باسكال سليمان وغيرها من الجرائم، يشهد عليها عدد السوريين في السجون وقد فاق الـ35 الفاً، في ما مخيماتهم تعج بالسلاح والمسلحين ولا قدرة للبنان على اعادتهم الى بلادهم او نقلهم الى اي بلد آخر بحجة الظروف الانسانية . ومثلهم وقبلهم مئات الاف الفلسطينيين الذين اقاموا مربعات امنية داخل مخيماتهم شمالا وجنوبا وبقاعا يتقاتلون في ما بينهم ويحاربون الجيش اللبناني وقد تسببوا منذ مجيئهم الى لبنان باستشهاد مئات العسكريين وتجرأوا على اغتيال قضاة على قوس العدالة ، ولا من يتجرأ على توقيفهم، لا لشيء الا لتمتعهم بغطاء اقليمي او محلي.
كل التنظيمات المسلحة حطت على ارض لبنان، تستبيح سيادته تحت شعار المقاومة لاسترجاع فلسطين، في حين لا يتحرك عربي واحد من دول الجوار او تلك التي ترفع لواء حقوق الفلسطينيين لمقاومة اسرائيل. من مصر الى الاردن وسوريا قلعة الصمود والتصدي، لا من يقاوم او يسمح باستخدام ارضه منصة للمقاومة. وحده لبنان يقاوم ووحده ارض سائبة، يستخدمها كل متذرع بمقاومة الصهاينة لتحقيق مآرب لم تعد تمت للقضية الفلسطينية بصلة. والاخطر لم يأت بعد، اذ تبدو قيادة حماس التي تستعد لمغادرة قطر وقد رفضت تركيا ومصر استقبالها تتهيأ للاستقرار في بيروت، بحسب ما تفيد مصادر معنية “المركزية”.
القلق يتعاظم من تصفية لبنان سياسيا وامنيا ووجوديا، وفق ما حذر وزير خارجية فرنسا السابق جان ايف لودريان منذ اكثر من ثلاثة اعوام، بعدما تمت تصفيته ماليا وطبيا وتربويا ومصرفياً في اطار ممنهج، ولم يبق له من مكان بين الدول التي تنسج خيوط التسوية الكبرى في المنطقة وفق مصالحها ، فيما القوى السياسية في الداخل تتناحر وتتخاصم وتتراشق التهم ، وهي بعدما بات لبنان فرعاً لإيران ، لن تجد لها مكانا في السلطة ، وكل محاولاتها للمواجهة ستبوء بالفشل، إن لم تلتم كل القوى المناهضة لمشروع ايران في بوتقة واحدة مسيحية واسلامية ودرزية،تحت شعار واحد منعاً للتصفية اللبنانية الاخيرة.