جاء في “الراي الكويتية”:
تتسارع التطوراتُ العسكريةُ على مقلبيْ الحدود اللبنانية – الإسرائيلية حتى تكاد أن تُسابِقَ جبهةَ غزة على الصدارة في ظلّ اشتدادِ عَصْفِ المواجهاتِ التي تَعَمَّقَتْ أمس أكثر في جغرافيا الميدانِ المُلْتَهِبِ وصولاً إلى عكا شمال فلسطين المحتلة وقضاء صيدا شمال الليطاني.
ومن خلْف المعادلة الجديدة التي رسمها «حزب الله» بسرعةٍ على قاعدة أن عكا (تبعد عن حيفا نحو 25 كيلومتراً) وما بعدها مقابل عدلون شمال صور (تبعد عن مدينة صيدا نحو 19 كيلومتراً) وما بعدها، تدحرجتْ الأسئلةُ حول هل تقترب جبهةُ الجنوب من الخروج عن السيطرة وعن كل المحاولات الدولية الحثيثة التي تُبذل لدى كل من تل أبيب وطهران (وحزب الله) لخفْض التصعيد وتَفادي أي مساسٍ «مميتٍ» بخطوط التوتر الأعلى ومن شأنه وضع المنطقة برمّتها أمام الحرب الشاملة.
ومع الغارةِ التي شنّها الطيرانُ المسيَّر الإسرائيلي في عدلون واستهدفتْ حسين علي عزقول الذي عرّفتْ عنه تل أبيب على أنه «مسؤول في قوة الدفاع الجوي التابعة لحزب الله»، ثم معاجلة الحزب إسرائيل بردٍّ على شكل «هجوم جوي مركّب بمسيَّرات إشغالية وأخرى انقضاضية استهدفتْ مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال مدينة عكا المحتلة وأصابت أهدافها بدقة»، بدا أن حرارةَ الميدان تتصاعد على نحوٍ يُخشى ألّا يعود قابلاً للاحتواء والصمود على معادلةِ «الحرب المحدودة» في انتظار أن يمرّ «تسونامي» الدم والدمار في غزة ويحّل هدوء ما بعد العاصفة في القطاع و«اخواته» من جبهات الإسناد وفي مقدمها جنوب لبنان.
وفي حين اتسمت المواجهاتُ النوعية أمس بأنها المرة الأولى تنفَّذ إسرائيل ضربة جوية في عدلون التي تقع خارج نطاق عمل «اليونيفيل» وفي شمال الليطاني على مسافة قريبة من النهر عند جسر القاسمية، كما أن «حزب الله» بعمليته في عكا، وصل بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، إلى «أقصى نقطة منذ اندلاع الحرب»، فإنّ هذا التسخينَ المتقابل لم تفسّره أوساطٌ غير بعيدة عن محور الممانعة على أنه وضْعُ رِجْلٍ في حقل الحرب الكبرى بمقدار ما أنه في سياق «إعادة الضبط» التي باتت شبه أوتوماتيكية – خصوصاً بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل في14 أبريل – والتي ينفّذها الحزب لإبقاء عدوّه «على رِجل ونصف» وملاقاة تصعيده على قاعدة «درجة زائدة يقابلها درجة مماثلة».
وإذ تشير الأوساط إلى أن «حزب الله» لم يغادر في أي شكلٍ مربّعَ عدم الرغبةِ في الذهاب بحربِ المشاغلة جنوباً إلى أبعد من الحدود القائمة منذ 8 أكتوبر وأن أي ارتقاءٍ في عملياته تُمليه مقتضيات الميدان و«تطويل اليد» من جانب إسرائيل ليس أكثر، ترى في الوقت نفسه أن الحزب في تجرئه الذي صار «تلقائياً» على ردّ «الصاع صاعين» وبما يكشف عمْداً «رؤوس أقلام» عما يملك في آلته الحربية، صاروخياً (هجومياً ودفاعياً) وبالمسيّرات، يريد إيصال رسالة «بالمختصر المفيد» لتل أبيب تحذّر من أي مغامرة واسعة النطاق نحو لبنان.
وفي تقدير دوائر مراقبة أن أريحية حزب الله والهامش الأوسع في ردوده على استهدافات إسرائيل يرتبط في جانب منه باعتقادٍ بأنّ أحد أوجه تجنُّب تل أبيب «الردّ المفرط» على ضربة 14 أبريل و«حياكتها» رداً محسوباً بعنايةٍ في أصفهان كان الرغبة في ترْك أبواب مفتوحة مع طهران، يلج منها وسطاء، لمحاولة خفْض وتيرة عمليات حزب الله جنوباً تجنُّباً لأي صِدام، يُعتقد أن حتى تل أبيب لا تريده على شكل «يا قاتل يا مقتول».
وبحسب هذه الدوائر فإن تل أبيب تفضّل بلوغَ حلولٍ بعيداً من مكاسراتٍ مفتوحة على شتى الاحتمالات وعبر ضماناتٍ وترتيباتٍ صارت الحاجة إليها على مقلبيْ الحدود في ضوء ما ظهّرتْه مواجهاتُ الأشهر الستة ونصف الماضية من سقوط الردع الذي ظنّ سكان جنوب لبنان أنه كان قائماً بقوة السلاح منذ 2006 ليتّضح أن العديد من قراهم الأمامية أصبحت شبه مدمّرة بالكامل وأن عنصراً أساسياً في صون الهدوء على هذه الجبهة كان القرار 1701 الذي سيبقى الضمانة الأساسية للجميع ولو بعد حين.
وفي هذا الإطار برزَ الاتصال الذي جرى أول من أمس بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث أكد سيد الاليزيه أنه يريد «تفادي تدهور» الوضع في الشرق الأوسط، مكرراً «عزْمه على تشديد الإجراءات لمواجهة أفعال إيران المزعزعة للاستقرار»، ومؤكداً «على جهود فرنسا»، بالتنسيق مع شركائها الدوليين «للعمل على نزع فتيل التصعيد على الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان».
واعتُبرتْ إشارة ماكرون إلى إيران في الاتصال بمثابة نقطة إضافية على «مضبطة الاتهام» غير المعلَنة التي يرتكز عليها محور الممانعة في لبنان لتفادي منْح باريس أي هدايا مجّانية تعطيها دوراً فاعلاً في المنطقة انطلاقاً من الملف اللبناني، وسط ثباتٍ على اعتبار أن «الشريك» الذي لطالما سعت طهران لتتقاسم معه أي حلول في ما خص الاقليم كان وسيبقى واشنطن التي سلّفتْها إيران «إدارة دفة» الضربة على إسرائيل وكيفية اصطياد المسيَّرات والصواريخ بما لا يفجّر الحرب الشاملة كما الردّ الإسرائيلي الذي جاء على طريقة «طرْقٍ ناعم» للباب.