Site icon IMLebanon

التغييريون السنّة: صراع على الهوية

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

برزت ظاهرة النواب التغييريين في الانتخابات النيابية كحالة بدت نابعة من «ثورة 17 تشرين الأول» عام 2019 لكنّها تحوّلت في مكان ما إلى عبارة عن مرشحين لا يجمع بينهم أيّ رابطٍ حقيقي، بل إنّ بعضهم استفاق يوم إعلان النتائج وقد صنّفهم الإعلام باعتبارهم كتلةً متراصّة وموحدة، وانساق بعض منهم وراء هذا الوهم فحاولوا الاجتماع والتوحّد لكن يبدو أنّ من جمعهم في الشكل تعمّد ذلك لإعطاء نتيجة معاكِسة وإحباط الجمهور التوّاق للتغيير بعدما تشظّى بعض هذه الحالة وتبعثر في تكريس لأصل اصطفافاتها، ليبرز السؤال عن الحصّة السنيّة في مجموعات التغيير وأين تموضعت في الانتشار السياسي الراهن.

في بيروت وجبل لبنان وطرابلس برز النواب وضاح الصادق وإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور ورامي فنج ليشكِّلوا نموذج الاختلاف في الشكل والمضمون، فالصادق وفنج اختارا المسافة الآمنة في المجتمع السنّي ورفضا مقاطعة دار الفتوى مع احتفاظهما باستقلاليتهما السياسية… وصولاً إلى المقاربات السياسية المتعلقة بالسلاح غير الشرعي وما انزلق إليه بعض النواب من التتلمذ على يد الرئيس نبيه بري إلى الإشادة بـ»حزب الله» في لحظات ضاعت بين «التجلّي» و»التخلّي» في النظرة الاجتماعية أيضاً.

في البقاع وقف ياسين ياسين وبلال حشيمي في موقع متقارب في السياسة لكنّ ياسين كان أكثر تقيّداً بمواقف بعض المجموعات التي رفضت أن يدخل أحد أبرز وجوه الحركة الاحتجاجية ناصر ياسين الحكومة، فيما إنخرط حشيمي أكثر في العمل السياسي وشارك في الحركة الدبلوماسية التي تقوم بها المعارضة نحو عواصم القرار وكانت له مشاركة في الصدامات السياسية والسجالات إذا حمي وطيس الاشتباك السياسي.

أمّا النائب إيهاب مطر فقد تمسّك باستقلاليته ولم ينضمّ إلى كتلة دون غيرها، لكنّه يتحرّك في فضاء المعارضة بخصوصيته وخطابه المنسجم مع توازناته المحلية الطرابلسية وتلك المرتبطة بالحالة الوطنية العامة، وهو يعمل ضمن فريق يهتم بالتشريع وبالتنمية ويلاحق ملفات مرافق طرابلس العامة، لكنّه لم يتمكّن حتى الساعة من تحقيق ما يكفي من تراكم لكسر هذا الجمود الذي يمنع تحقيق إنجازات كبرى وفارقة لصالح المدينة.

لكن بعد انتهاء محاولات الجمع استقرّت حالة التغييريين على تجمعاتٍ لزجة لا تعرف الاستقرار وكان لافتاً ثبات «تحالف التغيير» الذي يضمّ النواب: وضاح الصادق، مارك ضو، ميشال الدويهي ورامي فنج الذي استمرّ أميناً للسرّ بعد قبول الطعن السياسي الذي أقصاه وأعاد فيصل كرامي إلى الندوة البرلمانية، واللافت للانتباه هنا أنّ هذا التحالف يعمل بانتظام في ورشةٍ تشريعية ينشط فيها محامون أكفاء يواظبون على مواكبة العمل التشريعي بدقة ومثابرة.

تستحقّ تجربة إئتلاف «انتفض» الوقوف عندها باعتبارها نموذجاً للعمل السياسي الجامع خارج الأطر التقليدية فهو تنسيقية سياسية بين مجموعات من طرابلس المنية الضنية ولدت من رحم 17 تشرين خاصة خلال الانتخابات النيابية وحصلت على مقعد نيابي عن المقعد السني الذي فاز به رامي فنج والذي اسقطه المجلس الدستوري بعد 6 أشهر من حياة المجلس النيابي.

لم يتوقف عمل إئتلاف «إنتفض» بعد انتزاع المقعد النيابي منه بل حصل انخراط أكبر في العمل السياسي وهو جزء أساس من المعارضة النيابية التي تضم 31 نائباً يعملون في التنسيق التشريعي كما على الملفات الكبرى مثل إنتخاب رئيس الجمهورية.

آخر المعارك التي خاضها بنجاح إئتلاف «إنتفض» هي معركة نقابة المهندسين في طرابلس حيث عمل سياسياً ولوجستياً لدعم لائحة «النقابة للجميع» التي توجت بكسر تحالفات سياسية منذ 2007 ونجاح النقيب شوقي فتفت، هذا العمل الذي قامت به قيادة «إنتفض» كان بالتنسيق مع شركاء من الكورة والبترون حيث كان الدعم بـ 70 صوتاً ومن المنية حيث كان الدعم بـ 105 ناهيك عن التصويت في طرابلس الكبرى مع الإشارة إلى أنّ الفرق بين النقباء المتنافسين كان 174 صوتاً، حسبما يوضح رامي فنج.

ومع أنّ «إنتفض» هو إئتلاف سياسي عابر للمناطق والطوائف فإنّه لم يقع في إشكالية التخلّي عن البعد السنّي بذريعة العمل الوطني، وهي الإشكالية التي تورّط بها تيار المستقبل وكثير من القوى السنية، وفي ظل الفراغ في البيت السنّي يعمل «إنتفض» على خلق تعاون لترتيب هذا البيت السياسي المعتدل المبني على الانفتاح والشراكة الوطنية من خلال رؤية تجمع بين تخفيف التوترات الداخلية ورأب الصدع وبناء خطوط تفاهم مع القوى السنية لتجنيب المجتمع السنّي اختراقات بدأت ملامحها بالاقتراب وتهدِّد بحالات تدميرية تشبه ما حصل في سوريا ويحصل في غزة، ولبنان («فتح الإسلام»، عرسال..) ويمكن أن تعود في ظلّ احتدام الصراعات الإقليمية الحادة على لبنان والمنطقة، ولا يمكن صدّها إلاّ بتعزيز التعاون والوعي وتفكيك الألغام المزروعة بين الحقوق الضائعة والظلم المتمادي.