كتب منير الربيع في “المدن”:
يتضح من مسار المواجهة المتصاعدة جنوباً، حجم التباعد بين الوقائع الميدانية والعسكرية، والمسارات الديبلوماسية. ميدانياً التصعيد مستمر ويطال مناطق جديدة. على مدى الأيام القليلة الماضية حصلت استهدافات اسرائيلية متعددة لمناطق جبل الريحان، جبل صافي، تومات نيحا، والبقاع الغربي، وهذا يحمل مؤشرات كثيرة. صحيح أنه خلال الأشهر الماضية حصلت استهدافات متقطعة وبعيدة زمنياً عن بعضها البعض لتلك المنطقة، لكن مؤخراً يمكن الحديث عن تركيز اسرائيلي على استهداف هذه المنطقة والتي تبعد حوالى 30 كلم عن الحدود. جغرافياً، فإن هذه المنطقة تعتبر خط الدفاع الثالث والأساسي لحزب الله وفيها الكثير من المراكز وطرقات الإمداد.
قلق ديبلوماسي
في موازاة هذا التوسع بالمواجهة، تتواصل المساعي الديبلوماسية المتأرجحة بين التشديد على وجوب انتاج حل سريع لمنع تطور المواجهة الى حرب، وبين التحذيرات ورسائل التهديد التي يتم نقلها. يجمع الديبلوماسيون على التعبير عن قلقهم من التطورات، ويبذلون جهداً لإنجاح مساعيهم في تجنب مسألة المواجهة المفتوحة، لكن حتى الآن لا يزال مسار الميدان يتقدم على المسار الديبلوماسي على الرغم من زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى بيروت وإعادة تقديم مقترح معدل ينسجم مع المقترح الأميركي ويأخذ بالإعتبار الملاحظات اللبنانية. كذلك فإن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الموجود في اسرائيل- وتتحدث معلومات عن احتمال زيارته لبنان- سيعمل على حصر المواجهة بنطاق جغرافي معين لعدم توسعها. لكن الأكيد أن لا احد يمتلك حلاً.
الخوف من التصعيد
لا احد أيضاً، يمكنه معرفة كيفية التفكير الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في حال الوصول الى هدنة في غزة او بعد خوض معركة رفح، لأن المواقف الإسرائيلية تكاد تصل الى مكان سيكون من الصعب التراجع عنه بدون حصول تصعيد كبير في جنوب لبنان لمنع التصعيد الأكبر منه لاحقاً، وهناك من يتحدث عن احتمال زيادة نسبة الضربات العسكرية للوصول الى معادلة فرض اتفاق ديبلوماسي. ليس بالضرورة أن يكون ذلك مرتبطاً باجتياح برّي او حرب كبرى ولكن بتوسيع وتكثيف نطاق الإستهدافات الجوية، وإحداث دمار أكبر.
لبنان الذي يراقب مسار الأحداث وتطوراتها ويترقب لكيفية الخروج من هذه الدوامة، لا يزال يشهد سجالات ونقاشات حول الصيغة التي يمكن من خلال توفير استقرار طويل الأمد، وهذا لا بد له أن يحصل من خلال اتفاق سياسي كبير برعاية إقليمية ودولية، وفق هذه المعادلة وفي ظل انعدام القدرة على الفصل بين مسار لبنان ومسار غزة، فإن أي تسوية يفترض أن تلحظ الساحتين معاً، ضمن مشروع حلّ أشمل على مستوى المنطقة. في هذا السياق، يتسع هامش المناقشات والأفكار والطروحات اللبنانية حول آليات وصيغ الحل.
اتفاقية الهدنة والـ1701
في ظل تمسك غالبية اللبنانيين بالقرار 1701 ولكن وفق آلية تطبيقية جدية له وليس وفق الآلية التي اعتمدت منذ العام 2006 الى اليوم، هناك من يصرّ على طرح العودة الى اتفاقية الهدنة 1949، أو دمج النقطتين معاً، خصوصاً أن اتفاقية الهدنة لا تلحظ الكثير من الأمور التفصيلية أمنياً وعسكرياً كما هو الحال بالنسبة الى القرار 1701. وهذا الدمج ينطلق من فكرة تخصيص البنود الأمنية والعسكرية للقرار 1701 بينما سياسياً لا بد من العودة الى اتفاقية الهدنة، لأنها تندرج ضمن الفصل السابع، ويجبر اسرائيل على الإنسحاب العسكري لمسافة جغرافية يقابلها انسحاب لبناني أيضاً بنفس المقدار، وتكون متوازنة بين الطرفين، لا يكون الضغط الدولي على لبنان لصالح اسرائيل، كما أن هذه الإتفاقية يمكنها أن تفتح الطريق بسهولة أمام مسار تثبيت الحدود البرية على اساس حدود العام 1949 وليس على اساس الخطّ الأزرق والذي فيه الكثير من التعديات الإسرائيلية.
عملياً، كل هذه النقاشات تبقى مؤجلة بانتظار معرفة مصير معركة رفح وما سيليها، وما سيتقرر اسرائيلياً بشأن الجبهة مع لبنان ومدى قدرة الأميركيين في التأثير على منع نتنياهو من الذهاب في خطوة مجنونة تؤدي الى اشعال حرب جديدة. ولا بد من الأخذ في الإعتبار أن الإسرائيليين يرفضون الإلتزام بالقرار 1701 لمجموعة أسباب أولها عدم الموافقة على العودة الى ما قبل 7 تشرين الاول، وعدم الموافقة على وقف الخروقات للأجواء اللبنانية بهدف التجسس ورصد ما يقوم به حزب الله، واصرارهم على الإستمرار في استخدام الأجواء اللبنانية لاستهداف الأراضي السورية.