كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
بين ما تمّ إقراره في جلسة مجلس النواب التي انعقدت يوم 25 نيسان لترحيل الإنتخابات البلدية عاماً آخر، وما لم يقر، يبقى الجدل مستمراً حول مفاعيل التمديد الثالث للبلديات وتداعياته المتوقعة على مراكمة الترهل الحاصل لديها منذ بداية الأزمة الإقتصادية، وصولاً إلى تحفيز الخلاف حول قانونية تعميم ذرائعه، كمقدمة لإسقاطها أيضاً على البلديات المنحلة.
صحيح أنّ الجلسة إنتهت إلى إقرار إقتراح القانون المقدّم من رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات جهاد الصمد من دون تعديلات، ولكن مداخلات النواب، كشفت عن نيّات مبيتة لإجراءات إستثنائية أخرى تؤشر إلى طبخة تشريعية إضافية قد يجري التحضير لها تحت عنوان «إعادة تكوين البلديات المنحلة»، وطبعاً من خارج سياق ما ينص عليه المرسوم الإشتراعي رقم 118، ولا سيما المادة 24 منه، والتي تقضي «في حالة حل المجلس أو اعتباره منحلاً، بإنتخاب مجلس جديد للمدة المتبقية من ولاية المجالس البلدية، في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحل أو قرار إعلانه».
لنبدأ أولا بما أقر، أي قانون التمديد للمجالس البلدية ولمهلة أقصاها عام واحد.
مع أن المهلة تبدو مطاطة بصيغتها المحددة، ولكنها تبقى محكومة بالأسباب الموجبة التي جاء فيها أن «إستحقاق الإنتخاب يأتي في ظرف أمني وعسكري وسياسي معقد نتيجة للعدوان الإسرائيلي». فهل هذا يعني أنه إذا توقفت العمليات العسكرية اليوم وانتفت الأسباب الموجبة التي استوجبت التمديد، يمكن لوزير الداخلية أن يدعو الهيئات الناخبة لإجراء الإنتخابات في مهلة أقصاها شهر آب أو أيلول؟» سؤال يطرحه وزير الداخلية الأسبق زياد بارود في تصريح لـ»نداء الوطن» ليوضح ما يلي: «إذا قرئ النص كما هو، الإجابة هي نعم، وهذا هامش جيد متروك لوزير الداخلية كي يدعو الهيئات الإنتخابية بالمهل المعقولة المنصوص عليها في قانون البلديات، علماً أنّ دعوة الهيئات الناخبة لا تحتاج إلى مرسوم، ولا إلى قرار مجلس الوزراء، وهي تصدر عن وزير الداخلية مباشرة».
ولكن النموذج المستخرج من التطبيق العملي لصيغة التمديد السابق، لا تبدو مشجّعة. إذ أنّ قانون التمديد الثاني أقر بهامش زمني شبيه تماماً بقانون التمديد الثالث، ومع ذلك لم تظهر طيلة مهلة العام أي بوادر لإجراء الإنتخابات، مع أن الظروف كانت مهيأة لها منذ أشهر سبقت بدء العدوان الإسرائيلي كما أقر عراب الإقتراح السابق نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب. وإنطلاقاً من هنا يعرب بارود عن قناعته بأنّ «الهامش الزمني المحدد تقني، ولكن هذا الهامش يمارس بالسياسة، وهذه خطورته». ويقول «كان من الأفضل لو حددت مهلة التمديد بثلاثة أشهر، يمكن للمجلس من بعدها أن يتخذ قراراً يتناسب مع تطورات الواقع».
126 بلدية منحلة
لا شك أن الممارسات السياسية بيّنت أن تعطيل الحياة الديمقراطية هو ركيزة الحفاظ على بقاء السلطة القائمة. وهذا قد يشكل مؤشراً إضافياً لنزعة الطبقة السياسية بتواطؤ سلطتيها التشريعية والتنفيذية للمضي بإستهلاك كامل مهلة التمديد الثالثة، إذا إفترضنا أنها لن تتجرأ لتطلب تمديداً رابعاً. ما يقودنا إلى المقترحات التي لم تقر في جلسة تشريع التمديد حول البلديات المنحلة.
أولاً في أعداد البلديات المنحلة:
وفقاً للرقم الذي ذكر خلال جلسة التمديد الأخيرة، يبلغ عدد البلديات المنحلة 126 بلدية من أصل 1064. مع الإشارة إلى وجود نحو 36 بلدية مستحدثة من دون مجالس منتخبة. تتوزع معظم البلديات المنحلة على مختلف المحافظات وفقاً للمعلومات على الشكل التالي:
33 بلدية في جبل لبنان، 43 بلدية في شمال لبنان وعكار، 25 بلدية في البقاع وبعلبك الهرمل و25 بلدية في محافظة الجنوب.
ثانياً في القانون:
يعتبر المجلس البلدي منحلاً حكماً إذا فقد نصف أعضائه على الأقل أو حكم بإبطال إنتخابه. وبحسب مصدر قانوني مطلع، فإنّ المرسوم الإشتراعي الذي يرعى عمل البلديات راعى إمكانية أن تكون الإستقالة ناتجة عن ردة فعل غير مدروسة بلحظة غضب، ولذلك أعطى مهلة للمستقيلين كي يعودوا عن إستقالاتهم. ومقابل سماحه للمحافظين بهامش من التريث في قبول الإستقالات، أعطى الحق للمستقيل بأن يثبت إستقالته بكتاب يرسل إلى المحافظ بموجب البريد المضمون، فتصبح الإستقالة بعد شهر من إرساله نهائية، حتى لو لم يبت بها المحافظ. «فيما يُعتبر توقيع الوزير على الإستقالة تدبيراً إعلانياً وليس إجراء إنشائياً» كما شرح بارود لـ»نداء الوطن».
أزمة البلديات المنحلة
ثالثاً في طروحات المخارج لأزمة البلديات المنحلة ودستوريتها:
تبدو قراءة القانون وتفسيراته ضرورية لفهم «الطبخة» التي يتم التحضير لها بالنسبة للبلديات المنحلة، والتي كشفت مكوناتها من خلال مداخلتيْ النائبين جبران باسيل وعلي حسن خليل بعد تمهيد للأمر من قبل النائب جهاد الصمد. فاقتراح باسيل يقضي بإعادة تفعيل البلدية المنحلة في حال عاد أكثر من نصف أعضائها عن إستقالاتهم. فيما تصوّر خليل يقضي بالإجازة بالرجوع عن الإستقالات حتى بعد صدور قرار نهائي بقبولها، أما في حال كان المجلس منحلاً، فيمكن إعادة تكوينه من الأعضاء الراغبين في العودة عن إستقالتهم، شرط أن يزيد عددهم على النصف، وذلك بقرار يصدره وزير الداخلية.
لم تقارب مداخلات البرلمانيين في المقابل فرضية التوجه إلى صناديق الإقتراع ولو على مستوى فرعي وفقاً لما ينص عليه القانون، أقله لإجراء الإنتخابات في البلدات الواقعة خارج مرمى الإعتداءات الإسرائيلية.
في المقابل أكد بارود لـ»نداء الوطن» أن «مثل هذه النقاش حول العودة عن الإستقالة بالنسبة لأعضاء المجالس البلدية لن يؤدي إلى نتيجة فعلية» شارحاً «أنه إذا كان عدد الأعضاء المستقيلين أوصل إلى إعتبار البلدية منحلة، تكون الإستقالة قد أدت مفاعيلها، علماً أنّ الإستقالة قرار يتعلق بالحرية الشخصية للفرد. وبالتالي لا يمكن إلزام الأعضاء بالعودة عن الإستقالة حتى لو صدر ذلك بقانون». ليخلص إلى الإشارة إلى»أنه إذا كان الحل الأفضل دائماً هو الإنتخابات العامة، فإن البديل الوحيد بالنسبة للبلديات المنحلة لا يكون سوى بإجراء الإنتخابات الفرعية»، متسائلاً «إذا كانت هناك أسباب موجبة للتمديد وترتبط بالوضع الأمني، فما المبرر كي لا تجري الإنتخابات البلدية الفرعية غداً في البلدات غير المعرضة للإعتداءات».
لدى استصراح عراب التمديد الثالث جهاد الصمد إثر إنتهاء جلسة التمديد عن فائدة التمديد للمجالس البلدية في ظل الإفلاس الذي يضرب مؤسساتها، قال: «لم يكن بالإمكان أفضل مما كان» واعداً بجلسة تشريع أخرى لمراعاة أوضاع البلديات المنحلة والمفلسة. وهذا ما يخلّف إنطباعاً بأن مداخلات النواب المحملة بإقتراحات التحصين المالي للبلديات، لم تكن أكثر من «إبرة مورفين» حاولت إمتصاص صدمة التمديد وتداعياته، وبالتالي فرملة الإستقالات الواردة برشوة «كلامية» توحي بأن التمديد هذه المرة سيترافق مع تحصين مالي للبلديات. إلا أنّ البعض قرأ في مضمون الإقتراحات أيضاً ما يهيئ الأجواء لتمديد رابع، علماً أنّ الأسباب الموجبة لهذا التمديد حاضرة في الأجواء، وعنوانها الأبرز الحفاظ على التوازن الطائفي في مجلس بلدية بيروت، والذي يتوقع أن يفتح الباب على موجة أخرى من الجدل، يخشى من مفاعيله الإرتدادية العكسية على أبناء المدينة وناخبيها.