كتب طوني أبي نجم:
حتى قبل أن ينعقد اللقاء الوطني في معراب السبت 27 نيسان 2024 انطلقت أبواق السوء وأقلامه وحناجره لتهاجم اللقاء والجهة الداعية إليه، أي “القوات اللبنانية” ورئيسها الدكتور سمير جعجع. وما إن انتهى اللقاء وأصدر بيانه وتوصياته حتى انبرت الغرف السوداء إلى توزيع الأدوار على كل إعلام الممانعة والدائرين في فلكها لتنفيذ المطلوب منهم، إلى درجة أن عاش قسم منهم نشوة وهمية ظنّاً منهم أنهم نالوا أو تمكنوا من إصابة قلعة معراب.
عادت بي الذاكرة وأنا أتصفّح جريدة “الأخبار” الصادرة الاثنين 29 نيسان، كما وأنا أقرأ سيل المقالات والتصاريح المجنّدة في خدمة “محور الشر”، إلى ذاك العشرين من أيلول الـ2000 يوم أصدر المطارنة الموارنة نداءهم الشهير بقيادة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، فأطلقوا شرارة الاستقلال الثاني بوجه الاحتلال السوري وزرعوا عنفواناً أينع في لقاء “قرنة شهوان” وتوسّع في لقاء البريستول قبل أن يزهر في 14 آذار 2005 ويُنبت ثماره في 26 نيسان 2005.
يوم أطلق أحبار الكنيسة المارونية نداءهم الشهير هبّت الغرف السوداء التابعة للاحتلال السوري والنظام الأمني اللبناني- السوري إلى إطلاق حملة عنيفة ممنهجة بدأت بمحاولات تخوين رأس الكنيسة المارونية ولم تنتهِ بالتوعّد بإنبات العشب على درج بكركي. لكن ثبات سيد الصرح تمثل بعبارته الشهيرة “لقد قلنا ما قلناه” وبإظهار صلابة قلّ نظيرها في وجه محاولات الإخضاع.
استعرضت كل هذه الصور والمحطات وأنا أقلّب عدداً من المقالات المأجورة هنا وهناك وأردد “ما همّ معراب من نقيق ضفادع المحور”!
من فشل في اغتيال سمير جعجع جسدياً من نيسان 2012 لن يتمكن من اغتياله سياسياً في نيسان 2024. صحيح أن مؤتمر معراب شهد مقاطعة من البعض لأسباب مختلفة وخاصة بكل من قاطع، تماماً كما قاطع كثر بكركي بعد ندائها الشهير… لكن الجميع عادوا لاحقاً إلى الصرح الذي لم يسعَ إلى مصلحة خاصة أو فئوية. واليوم سمير جعجع قادر أن يبرهن أن معراب لا تسعى إلى مصلحة حزبية ضيقة وأنا على ثقة بأنه سيقوم بكل ما يلزم لتتسع معراب لجميع السياديين مهما استلزم الأمر من تضحيات وفعل تواضع من “الحكيم”.
هذا في الشكل، أما في المضمون فلعلّ البعض كان يرغب في بيان بلغة أكثر تشدداً وحزماً، وأنا منهم، لأن الحديث عن الـ1701 لم يعد مجدياً والمطلوب تطبيق الـ1559 بحذافيره. فما الفائدة إذا قبل “حزب الله” بالانسحاب الكامل إلى شمال الليطاني تنفيذاً لمضمون الـ1701 وبقينا من دون تنفيذ الـ1559 المنصوص عنه تكراراً في الـ1701؟ وهل المطلوب استدارة سلاح “حزب الله” إلى الداخل مباشرة أو بالواسطة كمثل المشاهد المسلحة التي شاهدناها في عكار؟
أما المزايدات في ملف التضامن الكاذب مع الفلسطينيين ممن ساندوا نظام الأسد الذي قتلهم في قلب سوريا ومخيم اليرموك تماماً كما قتل الشعب السوري وارتكب به المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة. والأهم أن أي تضامن سياسي وأخلاقي مع الفلسطينيين لا يعني بأي شكل من الأشكال استباحة الجنوب اللبناني سواء من “حزب الله” أو من أي تنظيم مسلح آخر لبناني أو فلسطيني. لا بل إن ما شاهدناه منذ 7 تشرين الأول الماضي يستلزم أن تحزم الدولة أمرها لتطبيق الدستور وحل كل الميليشيات والتنظيمات المسلحة وسحب أسلحتها واعتقال من يخالف الدستور والقوانين المرعية الإجراء.
ختاماً،
فليكن لقاء معراب وتوصياته بداية طريق ليس أكثر نحو الوضوح الكامل الذي يجمع ولا يفرّق في معركة السيادة الشاملة بوجه هيمنة “حزب الله” وسلاحه الإيراني. وليشكّل لقاء معراب لجنة مصغّرة ومتنوّعة تتولى القيام بالاتصالات واللقاءات اللازمة لجمع الشمل وخوض المواجهة المطلوبة التي إما نخوضها متحدين ونربح أو نخوضها متفرقين ونخسر، وليتذكّر الجميع مقولة “أُكلت يوم أُكل الثور الأسود”!
ملاحظة أخيرة: كاتب هذه المقالة تمت دعوته إلى لقاء معراب واعتذر عن عدم المشاركة لأسباب عائلية خاصة… فاقتضى التوضيح!