كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يقف الوضع المشتعل بين إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان على عتبة الانحدار، في ظل الضبابية التي تكتنف موقف حكومة تصريف الأعمال حيال إصرار «حزب الله» على ربط جبهة الجنوب بالجبهة الغزاوية، ورفضه الفصل بينهما، وهذا ما يضع الجهود الأميركية – الفرنسية لتهدئة الوضع في ثلاجة الانتظار، ويحول دون خفض منسوب التوتر، ويفتح الباب أمام تصعيد المواجهة بين الحزب وإسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية، مع انكفاء الوسيط الأميركي أموس هوكستين عن التحرك بين بيروت وتل أبيب لتهيئة الظروف السياسية المؤاتية لتطبيق القرار 1701، ودخول فرنسا بشخص وزير خارجيتها ستيفان سيغورنيه على خط الاتصالات، لعله في تنقله بين البلدين يعيد الاعتبار للجهود الرامية لمنع تفلُّت الوضع بحيث تصعب السيطرة عليه.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية بارزة أن معاودة باريس لإحياء الورقة التي كانت قد تقدّمت بها لضمان عودة الحد الأدنى من الاستقرار إلى الجبهة مع إسرائيل، جاءت في أعقاب الزيارة التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى واشنطن، واجتماعه بالوسيط الأميركي، والتي أدت إلى ردم الهوة بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وصولاً إلى التنسيق بينهما في مقاربتهما لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من المراوحة التي يدور فيها، وإعادة الهدوء على جانبي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
وكشفت المصادر السياسية أن زيارة لودريان لواشنطن تزامنت مع وجود مديرة الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الفرنسية في العاصمة الأميركية، في إطار التأكيد على ضرورة التنسيق بين البلدين حول كل ما يتعلق بدعم المساعي الرامية إلى مساعدة لبنان للخروج من أزماته المتراكمة. وقالت إن التواصل الأميركي – الفرنسي أدى إلى تبديد النفور الذي ترتّب على التباين في مقاربتهما لكل ما يتعلق بالأزمة اللبنانية.
ولفتت المصادر إلى وجود إمكانية لإدخال تعديلات على الورقة الفرنسية لإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، لكن ما تخشاه أن تبقى حبراً على ورق في حال أصر «حزب الله» على عدم الفصل بين جبهتي الجنوب وغزة.
ورأت أن المبادرات يجب أن تبدأ من وقف إطلاق النار في غزة. وأكدت، نقلاً عن مصادر دبلوماسية أوروبية وأميركية، أن هناك صعوبة في التوصل إلى هدنة على الجبهة الغزاوية، وأنه في حال نجاح الوساطة المصرية – القطرية في تحقيقها، لا يعني ذلك من وجهة نظر إسرائيل أن وقف النار على غزة سينسحب تلقائياً على جنوب لبنان.
وأكدت المصادر نفسها أن إسرائيل تصر على عدم الربط بين جبهتي جنوب لبنان وغزة، بخلاف تمسك «حزب الله» بها ورفضه أن يعيد النظر في موقفه لتسهيل المهمة التي يتولاها الوزير الفرنسي. وقالت إن إسرائيل تشترط لقاء موافقتها على أن تنسحب الهدنة في غزة على جنوب لبنان، أن يصار فوراً إلى الاتفاق على ترتيبات أمنية تمنع عودة الوضع في الجنوب إلى ما كان عليه قبل أن يقرر الحزب الدخول في مواجهة عسكرية في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحت عنوان مساندته لـ«حماس» من خلال إشغاله إسرائيل للتخفيف من ضغطها على غزة، رداً على اجتياح «حماس» للمستوطنات الإسرائيلية الواقعة في غلاف غزة.
لكن حكومة تصريف الأعمال، كما تقول المصادر إياها، ليست في وارد الانجرار إلى مفاوضات يراد منها الموافقة على ما تطالب به إسرائيل، وهذا ما يشكل نقطة تلاقٍ بين رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي والمجلس النيابي نبيه بري الذي يتولى التفاوض، بتأييد من «حزب الله» وبالإنابة عنه، مع واشنطن وباريس، لتطبيق القرار 1701، على أن يسبقه وقف الحرب على غزة، رغم أن التواصل لم ينقطع بين الحزب وباريس، ممثلة بسفيرها لدى لبنان هرفيه ماغرو.
غير أن أسئلة عدة تبقى مطروحة، ومنها: ما العمل في حال لم تُعِد إسرائيل النظر في إصرارها على ربط التهدئة في الجنوب بالاتفاق على رزمة من الترتيبات الأمنية؟ وكيف ستتصرف حكومة تصريف الأعمال؟ وماذا سيقول الرئيس بري في ردّه على الشروط الإسرائيلية في ظل الانقسام اللبناني – اللبناني حول تفرّد الحزب بقراره الدخول في مواجهة من دون العودة إلى الحكومة والتشاور معها، على أساس أن قرار السلم والحرب يبقى من صلاحياتها، ومن غير الجائز، من وجهة نظر المعارضة، لأي فريق مصادرة هذا القرار على نحو يقحم لبنان في مغامرة غير مدروسة في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها؟
لذلك، يمكن أن يكون البديل عن الترتيبات الأمنية التي تشترطها إسرائيل لعودة التهدئة إلى الجنوب، إطلاق التفاوض، كما تقول المصادر السياسية، حول ضرورة تطبيق القرار 1701، شرط أن يبادر الحزب إلى تعديل موقفه بعدم الربط بين جنوب لبنان وغزة. فهل يفعلها الحزب، في غياب شبكة الأمان التي توفر له الغطاء السياسي للتفرد بقراره في مساندته «حماس»، خصوصاً أن مجرد إصراره على عدم الفصل يعني أن توسعة الحرب بقرار من إسرائيل واقعة حتماً، كما تؤكد المصادر الدبلوماسية الأميركية والفرنسية، رغم أن الضغوط على تل أبيب إلى ازدياد لمنعها من توسعتها، في مقابل جنوح الحزب نحو ضبط النفس، وعدم توفير الذرائع لإشعال جبهة الجنوب على نطاق واسع تصعب السيطرة عليه؟
فهل يبادر الحزب إلى إجراء مراجعة شاملة تقوده إلى تقديم التسهيلات المطلوبة لمنع إسرائيل من توسعة الحرب، أم أن لديه حسابات أخرى؟
وفي انتظار جلاء موقف الحزب، فإن محادثات الوزير الفرنسي في بيروت أمام مهمة صعبة، يتطلع من خلالها إلى تبرئة ذمته بأنه سعى لتفادي توسعة الحرب، لأن عودة الاستقرار إلى لبنان هي موضع اهتمام ومتابعة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنه يصطدم بتبادل الشروط بين الحزب وإسرائيل، الذي يعطل الجهود لإعادة الاعتبار لتطبيق القرار 1701، كونه الناظم الوحيد لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.