Site icon IMLebanon

محاولات التهدئة الفرنسية… حرَكة بلا برَكة؟

جاء في “الراي” الكويتية:

على وقع العدّ العكسي لانقشاعِ الرؤية في ما خصّ مآل «الفرصة الأخيرة» لاجتراح تَفاهُمٍ، ولو غير نهائي، بين «حماس» وإسرائيل حول تَبادُل الأسرى ووقفٍ لإطلاق النار من شأنه تعليق قرار اجتياح رفح، تزداد جبهةُ جنوب لبنان عَصْفاً من دون أن يكون واضحاً مآل الحرب التي تتّسع عليها سواء حصلتْ «معجزة» اتفاق التبادل أم أطاحت به حساباتُ «البقاء السياسي» لبنيامين نتنياهو أو واقع أن «حماس» التي باتت كمَن لم يَعُد لديه الشيء الكثير ليخسره يصعب أن ترضى بمنْح عدوّها مجرّد استراحةٍ ليعود للانقضاض عليها ما لم تتوافر «بوليصةُ تأمين» لِما بعد الجولة الأولى من أي تهدئة مفترَضة.

وفيما كانت غزة أمام ساعاتٍ مصيرية في انتظار ردّ «حماس» اليوم على المقترح المصري بالتَوازي مع «تَلازُم» بحُكْم الأمر الواقع صار قائماً بين مآل صفقة المحتجَزين والعملية العسكرية في رفح، لم يكن ممكناً استشراف الوضعُ على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية في ضوء الوقائع المتفجرة في الأيام الأخيرة وما رافقها من تطوير معادلاتٍ «على المكشوف» في الميدان رسَمها «حزب الله» بوضوحٍ، في حين بقي ما خفيَ منها أعظم في ضوء استهدافاتٍ إسرائيلية «تحذيرية» جرى الحرص على التكتم عليها وكان من شأنها نقْل المواجهات إلى منحى آخَر مختلف تماماً وعلى مَحاور من الجبهة اللبنانية لم يتم فتْحها بعد، ويُعتقد أن تل أبيب تبلّغتْ عبر القنوات المناسبة أن المزيد من «اللعب بالنار» في هذا السياق ستكون عواقبه وخيمة.

وفيما كان وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه يزور بيروت (للمرة الثانية منذ شباط) طارحاً مقترحاتٍ على المسؤولين اللبنانيين تحت عنوان «تهدئة التوتر بين حزب الله وإسرائيل ومنْع نشوب حرب»، برزت محطة وزير خارجية مملكة البحرين عبداللطيف بن راشد الزياني الذي حطّ في العاصمة اللبنانية قبل توجّهه إلى دمشق، في زيارة نادرة لمسؤول خليجي رفيع لـ «بلاد الأرز» منذ ما عُرف بـ «المبادرة الكويتية» التي حملها في كانون الثاني 2022 وزير الخارجية الكويتي حينها الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح تحت عنوان معاودة بناء الثقة بين دول مجلس التعاون ولبنان الذي عاد واستقبل قبل نحو عام وزير الدولة في الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز الخليفي في إطار مساعٍ خارجية ترتبط بالأزمة الرئاسية.

والتقى الزياني الذي وصل على رأس وفدٍ وكان في استقباله في مطار رفيق الحريري الدولي نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حيث «تم البحث في العلاقات الثنائية بين لبنان والبحرين والوضع في المنطقة وجدول أعمال القمة العربية المقبلة في المنامة».

وأكد بوحبيب بعد لقاء الزياني أن «نجاح قمة المنامة مصلحة عربية مشتركة، ولبنان يستبشر خيراً»، معلناً «نطمح لمزيد من التطور في العلاقات الثنائية، لِما فيه مصلحة وخير الشعبين الشقيقين. كما نرحّب بوجود الوزير الزياني في بيروت».

وفي موازاة هذه الزيارة، لم تعلّق أوساط سياسية أهميةً كبرى على قدرة محادثات وزير الخارجية الفرنسي في لبنان على تحقيق أي خرْقٍ في ما خص جبهة الجنوب وذلك ربطا بنقطتين:

• الأولى أن «الجدار الحديدي» الذي تصطدم به مَهمة سيجورنيه هو تمسك «حزب الله» بـ «وقف حرب غزة أولاً» قبل القبول بمبدأ البحث في أي أمرٍ يرتبط بما يُراد خارجياً أن يكون «هبوطاً ناعماً» للحرب التي تزداد خشونةً عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وتوفير إطارٍ من ترتيباتٍ عسكرية – أمنية بعضها معلَن وبعضها الآخَر مضمر ليكون الناظم لـ«اليوم التالي» لبنانياً.

• والثانية أن أيّ «حل وربط» في ما خص جبهة الجنوب يكون في نهائياته مع واشنطن، التي تحرّكتْ مبكّراً لاحتواء التوتر عبر الوسيط آموس هوكشتاين (كان في إسرائيل السبت ولم يُعرف إذا غادر) الذي كان قبل «طوفان الأقصى» يعمل على محاولة «تمديد» الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل (أكتوبر 2022) إلى نسخة برية ترتكز على بت النقاط الخلافية على طول الخط الأزرق، وهو ما يشكّل جزءاً من الحلّ الممرحَل الذي يعمل عليه ما أن تتوقف حرب غزة أو تُنجز هدنة، ويشتمل على تعزيز حضور الجيش اللبناني مع اليونيفيل جنوباً وإيجاد صيغة تحت عنوان المظاهر المسلّحة جنوب الليطاني تُتيح ضمان عودة النازحين على مقلبي الحدود في انتظار إنجاز التفاهم البري (لم يحمل في صيغته الأولية أي ذكر لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة).

واستهلّ سيجورنيه محطته اللبنانية، التي أعقبها انتقاله إلى الرياض لحضور اجتماعات حول الوضع في غزة، بزيارة مقر «اليونيفيل» في الناقورة (فرنسا تساهم بوحدةٍ في هذه القوة) حيث أعلن أنه «سيقدّم مقترحات لمسؤولين لبنانيين بهدف تهدئة التوتر بين حزب الله وإسرائيل ومنع نشوب حرب».

وفي ما بدا رداً على معادلة «حزب الله» حول تهدئة في غزة تخمد في جنوب لبنان وتأكيداً على أن هذه الجبهة باتت لها ديناميتها العسكرية وتالياً الديبلوماسية الخاصة، قال سيجورنيه: «إذا نظرتَ للوضع اليوم، إذا لم تكن هناك حرب في غزة، يمكننا أن نتحدث عن وجود حرب في جنوب لبنان بالنظر إلى عدد الضربات والتأثير على المنطقة». وتابع: «سأوصل رسائل وأطرح مقترحات على السلطات هنا لدفع هذه المنطقة للاستقرار وتجنّب نشوب حرب».

وعلى صفحته على منصة «أكس» كتب وزير الخارجية الفرنسي أن فرنسا «تضطلع بدورها مع المجتمع الدولي في سبيل إعادة السلام إلى المنطقة»، مؤكداً «أن التنسيق بين العمل الديبلوماسي والعسكري ضروري لبلوغ هذه الغاية».

ثم زار سيجورينه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي شكر «لفرنسا حرصها ودورها وللرئيس إيمانويل ماكرون جهوده لمنع الحرب على لبنان»، مؤكداً «تمسك لبنان بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته».

كما عرض بري وقائع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان خصوصاً القرى الحدودية الجنوبية من خلال خريطة (بالفرنسية) أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية تبيّن حجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالقرى والبلدات، فضلاً عن الأراضي والمساحات الزراعية والحرجية، واستخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دولياً وتجاوزها لقواعد الاشتباك.

وإذ أكد بري للوزير الفرنسي انتظار لبنان لتسلّم الاقتراح الفرنسي (بنسخته المنقّحة) الرامي الى خفض التصعيد ووقف القتال وتطبيق القرار الأممي 1701 تمهيداً لدرسه والرد عليه، أثنى في الملف الرئاسي «على جهود اللجنة الخماسية للتوصل عبر التشاور لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان».

• وبعدها التقى سيجورنيه الرئيس ميقاتي الذي أكّد «نقدّر لفرنسا وقوفها الدائم إلى جانب لبنان ودعمها له ونثمن الجهد الكبير للرئيس إيمانويل ماكرون لحماية لبنان»، معتبراً «أن المبادرة الفرنسية إطار عملي لتطبيق القرار 1701 الذي يتمسّك لبنان بتطبيقه كاملاً مع المطالبة بالتزام إسرائيل بتنفيذه ووقف عدوانها المدمّر على جنوب لبنان بالإضافة الى دعم الجيش لتمكينه من القيام بمهامه وتحقيق السلام الدائم على الحدود».

كما اجتمع وزير الخارجية الفرنسي بقائد الجيش العماد جوزف عون، قبل أن تكون له إطلالة صحافية من مقر سفارة بلاده.

وفيما حُسم أن وزير الخارجية الفرنسية لم يودع لبنان المقترح الفرنسي المعدّل (ذُكر أنه يقوم على وقف الأعمال الحربية على الحدود في المدى القريب، إعادة تموضع كل الجماعات بما فيها حزب الله وغيره من المجموعات من دون تحديد المسافة الجغرافية، وتثبيت الحدود بما فيها النقاط المتنازَع عليها) الذي ستتسلّمه بيروت عبر وفد تقني من السفارة، فإن الميدانَ كان يشهد معادلات جديدة ترتسم من خلف ما بدا استعداداً إسرائيلياً لـ«تصعيدٍ أكبر يمهّد لتهدئة أو يفرضها» في مقابل مقارعةٍ موازية من «حزب الله» على قاعدة «التصعيد لإفهام العدو ما سينتظره في أي حربٍ أكبر أو أيام قتالية يُعدّ لها».

وإذ عزّز المخاوف ما نقلتْه قناة إسرائيلية من أن الحرب «المكثفة» في غزة تقترب من نهايتها «وإسرائيل تركّز على الجبهة مع حزب الله»، فإن وقائع الساعات الماضية من جانب الحزب كرّست انه لم يعد يرتدي «القفازات» في ردّه على كل تمادٍ من تل أبيب في توسيع قواعد الاشتباك، خصوصاً استهداف مدنيين، ليُظْهِر وفق عارفين أنه «لا يخشى الحرب إذا أرادها العدو»، علماً أنه ومنذ المواجهة المباشرة الإيرانية – الإسرائيلية أصبح أكثر خشونة في استهدافاته للإسرائيليين.

وكان الأبرز في هذا الإطار، إعلان حزب الله قبيل منتصف ليل السبت – الأحد أنه «رداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل المدنية خصوصاً بلدات القوزح ومركبا وصربين» (أصيب نحو 10 مدنيين) «قصف مجاهدو ‌المقاومة الإسلامية مستوطنة ميرون والمستوطنات المحيطة بها بعشرات صواريخ الكاتيوشا».