كتبت بولين فاضل في “الانباء الكويتية”:
ربما فقط في لبنان يتحول مشهد تشييع مقاتلين إلى مشهد رعب لأهل الدار لا للعدو، أدواته عناصر بوجوه مقنعة تسير بسلاحها في استعراض عسكري وصفه كثيرون بعراضة قوة تهدد ما تبقى من هيبة الدولة اللبنانية، مع سؤالهم «أهذا هو لبنان الذي نريده»؟
المشهد الموثق في شريط فيديو من بلدة ببنين في عكار بشمال لبنان (عكار للمفارقة تعتبر خزان الجيش اللبناني لكثافة انخراط أبنائها في السلك العسكري)، أظهر أفرادا من الجناح العسكري للجماعة الإسلامية والمعروفة بـ «قوات الفجر» وهم يقدمون عرضا عسكريا بالتزامن مع تشييع عنصرين من الجماعة قضيا في غارة إسرائيلية على سيارة كانا يستقلانها في بلدة ميدون بالبقاع الغربي.
ولم يقف المشهد عند حد استعراض القوة، بل قرن العرض بالفعل بإطلاق كثيف للرصاص وحتى لقذيفة من نوع «آر بي جي» بالتزامن مع وصول جثماني القتيلين. وسرعان ما قوبل المشهد بوابل من التعليقات المنددة والمستهجنة، خصوصا أن الرصاص المتساقط على الرؤوس، وكما في أكثر المرات، يسقط ضحايا كان في عدادها هذه المرة طفلان أصابتهما رصاصتان طائشتان في رأسيهما.
«حدا عرف وين سقطت قذيفة الـ B7، بعكا أو بصفد؟»، «اضرب والريح تصيح تسلم يا حامي الديار».. عينة من تعليقات ساخرة يجيدها اللبناني في عز تراكم حزنه على انحلال دولته، ووازاها كلام جدي وبيانات لنواب حاليين وسابقين كالنواب التغييريين حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة وميشال دويهي تدين «ضرب هيبة الدولة ومحاولات تشريع سلاح جديد من خارج الشرعية»، إلى تعليق للنائبة بولا يعقوبيان قالت فيه إنه «بدلا من أن تنالوا (عناصر قوات الفجر) الاحترام لقتال إسرائيل، تنهال عليكم الشتائم وتثبتون كل يوم انكم رصاص طائش في بنادق حزب الله. أتركوا اللبنانيين بحالهم، فقد سئموا مظاهر التفلت والسلاح غير الشرعي والبلطجة».
كما كان استنكار على لسان نائب رئيس «التيار الوطني الحر» ناجي حايك الذي قال «إن مشهد السلاح المتفلت في عكار لا يشبهني، وهو يتكرر بهدف التنمر على الوطنيين من المؤمنين بمنطق الدولة»، وسأل «ماذا تفعل القوى الأمنية في مواجهة كل هذا»؟
كذلك كان بيان مشترك من النائب أشرف ريفي والنائب السابق فارس سعيد وفاعليات شمالية، حذر من«تحول لبنان إلى ساحة مستباحة مفتوحة على احتمالات الحرب المدمرة كما يجري في الجنوب، أو إلى سلاح ظاهر متفلت بلا ضوابط ولا اعتبار لهيبة الدولة كما حصل في عكار». وجاء في البيان «إن طريق القدس لا تمر بببنين، وهذا ما يستدعي الوقوف صفا واحدا لمواجهته حتى لا ننزلق إلى ما لا يحمد عقباه».
والغضب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار فيديوهات وصور استعراض الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، دفع بالأخيرة إلى محاولة امتصاص النقمة بإصدار بيان أسفت فيه لـ «المظاهر المسلحة» وعدته «خارجا عن أخلاق أهلنا وطبيعتهم».
بيان الجماعة الذي وصفه البعض بالفارغ، لاسيما أن العرض العسكري بدا منظما، أتى بطبيعة الحال من يدافع عنه في بلد يبدو اللبنانيون فيه متفقين على عدم الاتفاق، حتى على أدنى المسلمات وهي هيبة الدولة.