كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
في ظل أسوأ أزمة يعيشها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، يحل عيد العمال في الأول من أيار هذا العام محملاً بالمزيد من الهموم والبطالة والفقر معاً، جراء الأزمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تطاردهم في لقمة عيشهم الكريم، وقد جاء إقرار الحد الأدنى للأجور 18 مليون ليرة لبنانية، إضافة إلى بدل نقل 9 ملايين ليرة منذ أسابيع ليزيد من الطين بلة.
عمال صيدا مثل زملائهم في لبنان، يعانون من انهيار العملة الوطنية والبطالة وتآكل القدرة الشرائية، ما يفقدهم معنى العيد، حتى أن الكثير منهم لا يعطلون فيه ويواصلون العمل كسائر الأيام، في إشارة إلى مدى تردّي الوضع الذي يجبرهم على العمل طوال الأسبوع بلا عطل أو أعياد.
في المدينة الصناعية في صيدا، تغيب أجواء العيد وتحضر الشكاوى، روزنامة طويلة من المطالب تبدأ بالأجور الزهيدة، مروراً بالركود القاتل وصولاً إلى انقطاع التيار الكهربائي وغياب الضمان الاجتماعي. واللافت اليوم تحوّل كثير من أرباب العمل وأصحاب المؤسسات إلى عمال برتبة معلم، بعد الاستغناء عن الإجراء لعدم تمكّنهم من توفير رواتبهم واحتياجاتهم.
يقول بلال معنية لـ”نداء الوطن”: “الوضع زفت وقطران، والدولة تفرض المزيد من الضرائب بلا رحمة، إنها فوق طاقتنا”، قبل ان يضيف بأسى “نعمل على مدار الأسبوع بلا عطل او اعياد من أجل العيش الكريم واللقمة بتركض أمامنا، بئس الحياة في ظل هذه الأزمات المعيشية والخلافات السياسية”.
حين تسأل أيا من العمال، يأتيك الجواب فوراً، انظر إلى العمال كيف يجلسون على الكراسي، ينتظرون زبوناً، استمع إلى الهدوء، لقد كانت المدينة تضجّ بالحركة وأصوات المطارق والمخارط، ويقول علي الحلبي لـ”نداء الوطن”: “هذا العيد لا يعني أي شيء فلا أحد من العمال يشعر به، حتى أننا لا نقفل فيه”، والمفارقة أنه يعتبر عيداً رسمياً في لبنان، حيث تقفل كلّ الدوائر الرسمية والإدارات إلا العمال يواصلون عملهم”.
ويقول المعلم وليد أبو زينب لـ”نداء الوطن”: “الوضع لا يطاق، الركود قاتل والحركة خفيفة ونتصارع مع لقمة العيش”، قبل أن يضيف بحسرة “لقد صرنا كالعمال بشريطة (في تعبير مجازي عن رتبة) لأننا لم نعد قادرين على تشغيل عمال ودفع أجورهم لأن المصلحة لا تتحمّل هذه الأعباء المالية”.
ما يرهق العمال أنهم يعيشون كل يوم بيومه، باتت طموحاتهم أن تعود عقارب الزمن إلى الوراء، وأن يعود البلد إلى ما قبل الانهيار الاقتصادي كما كان لنعيش بخير، ويقول العامل محمود المصري لـ”نداء الوطن”: “عيدنا يكون من خلال منح العامل حقوقه وتأمين الطبابة والطعام وتعليم الأولاد، من دون أن يفكر بالهجرة سعياً وراء العيش الكريم”.
في خضمّ الواقع المرير، اضطر الفتى عمر جنزوري الى الانخراط في العمل باكراً، لم يبلغ أكثر من 16 عاماً، لكنه ترك المدرسة بعدما أنهى الصف الرابع من أجل مساعدة عائلته في تأمين مصروفها في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار. ويقول عمر لـ”نداء الوطن”: “لا أحب العلم كثيراً، لأنني على قناعة أنه لن يوفر لي وظيفة جيدة وعيشاً كريماً، فقرّرت ترك المدرسة باكراً بعدما أصبحت أجيد القراءة والكتابة، والعمل في مجال السيارات التي أحبّ، أعمل حالياً في محل ميزان “دركسيون” وأتقاضى معاشاً مقبولاً والحمد لله، على أمل أن أصبح ذات يوم معلّماً وأفتح محلاً لكسب المال وتأسيس عائلة”.