كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
جاءت الساعات القليلة الماضية لتجلي الغبار عن كلّ ما أُثير حول لقاء معراب سواء في ما يتعلّق بالموقف من اتفاق الطائف والدستور، أو في ما يرتبط بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية ومحاولات تصوير موقف «القوات» على أنّه خارج سياق التوجّه العام للرياض محلياً وإقليمياً، فجاءت زيارة الوفد القواتي الرفيع إلى دار الفتوى وتجديده الثوابت الوطنية من منبرها، وحضرت أيضاً زيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى معراب ومنحه العباءة العربية للدكتور سمير جعجع، مع ما يحمله هذا المشهد من معنى سياسي خاصة أنّه جاء بعد أيام من لقاء السفير بالرئيس فؤاد السنيورة.
سبق وتخلّل وتلى «لقاء معراب» يوم السبت 27 نيسان 2024 كلام تطاير من الشرفات السياسية لبيوت المعارضة واحتوى كلاماً مفاده أنّ مواقف «القوات» انحرفت عن اتفاق الطائف ودستوره وذهبت نحو النزعات الانفصالية والفدرالية وصدرت عن بعض مسؤوليها مواقف تمسّ بالطائف الذي تعتبره الرياض قاعدة ارتكازها التاريخية في لبنان. غير أنّ «القوات» أعادت صياغة المشهد من دار الفتوى، حيث زارها وفد ترأسه النائب غسان حاصباني وضمّ النائبين جورج عقيص ونزيه متى إضافة إلى منسق بيروت ايلي شربشي ورئيس مركز المزرعة ميشال بيضا، ليردّ بشكلٍ مباشر على كلّ ما أُثير في الآونة الأخيرة من إشكاليات سياسية تتعلّق بمواقف القوات اللبنانية.
وأعادت القوات بلسان حاصباني توليف الرؤية المتكاملة بين الدعوة إلى تطبيق القرارات الدولية كاملة، أي بجميع أبعادها، سواء تلك التي تعني لبنان، أو ما توجبه على العدو الإسرائيلي من تطبيق والتزام بحقوق الدولة اللبنانية، وكان تأكيد الموقف من دار الفتوى بمرجعيتها الإسلامية والوطنية الجامعة لتعزيز التعاون والتحالف القواتي مع السنّة حول القضايا الكبرى المرتبطة بالكيان والمصير.
وفي استكمال للمشهد السياسي المنبثق بعد «لقاء معراب» برزت زيارة السفير البخاري إلى معراب حيث التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في معراب في حضور عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب ملحم الرياشي وعضو الهيئة التنفيذية في الحزب جوزيف جبيلي. وجاءت هذه الزيارة بعدما ذهب البعض في اجتهاداتهم إلى حدود وضع لقاء معراب وكأنّه خارج السياق العربي الإقليمي مع إعطاء المعترضين عليه أحقيّة الرؤية الاستراتيجية الثاقبة.
ورغم أحقية بعض الاعتراضات على لقاء معراب في الشكل، غير أنّ ما انتهت إليه الوقائع أثبت أنّ ما دعت إليه «القوات» كان دعوة ضرورية وفي وقتها، وأنّ المناخ العربي والسعودي تحديداً مواكِب لهذا المسار الذي يجب أن يتوازن من خلال حوار يعيد تنظيم صفوف المعارضة سريعاً.
حملت العباءة من السفير البخاري أبعاد الصداقة الشخصية، لكنّها حملت أيضاً رمزية العباءة في السلوك السياسي والدبلوماسي السعودي والمعروفة بأنّها تُقدَّمُ لتعزيز العلاقات والتعبير عن الثقة بمن تُهدى إليه، ورسالة على الطريقة السعودية بأنّ علاقاتها الإيجابية القائمة على المصالح المشتركة للبنان والسعودية مستمرة وثابتة ولا يهزّها بعض التشويش العابر.
يمكن في الختام استحضار أنّ السفير البخاري سبق له أن زار الرئيس فؤاد السنيورة قبل زيارته معراب، ومن المتوقع أن يكون ترتيب الأولويات لمواجهة الاستحقاقات المقبلة موضع البحث على قاعدة أنّ ما حصل كان غيمة صيف عابرة وفرصة لإعادة تظهير الثوابت الوطنية والعربية على أكثر من صعيد.