كتب آلان سركيس في “نداء الوطن”:
دخلت قضية ضبط النزوح السوري وتطبيق القوانين اللبنانية مرحلة المراقبة. وحرّكت قضية خطف منسّق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان وقتله مسألة الفلتان السوري. وتعترف المرجعيات بعدم القدرة على الإستمرار في هذه الفوضى. وتعتبر هذه القضية بعيدة كل البعد عن السياسة والطائفية، لأنها تمسّ كل مواطن أينما كان.
تلوح في الأفق إشارات إيجابية توحي بإحراز تقدّم في قضية ضبط الفلتان السوري. وفي لبنان بيئة حاضنة لإستمرار الفوضى في كل الطوائف والمناطق والأحزاب والتيارات، ويعود السبب إلى الإستفادة المادية من دون تقدير الأخطار الوخيمة التي قد تضرب لبنان من جرّاء هذا الوضع.
وليس صحيحاً وجود بيئة منتفضة على الفوضى وأخرى راضية عنها، على رغم محاولة الإستثمار السياسي في هذا الملف. فعلى سبيل المثال، حاول «حزب الله» وحركة «امل» حماية بيئتهما من التمدّد السوري، ونجحا لبعض الوقت، لكن طمع بعض المواطنين في الإستفادة المادية سمح للسوريين بالتمدّد داخل المناطق الشيعية.
وتحصل التجاوزات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية على رغم قدرة «حزب الله» على ضبط ساحته وامتلاكه ما يكفي من عناصر قوّة وأمن ذاتي وموانع طائفية. ووصل الأمر إلى حدّ رغبة السوريين في التملّك بقاعاً نظراً إلى سماح القانون اللبناني بتملّك الأجانب بنسبة معينة في كل الأقضية. وما ينطبق على المناطق ذات الأغلبية الشيعية ينطبق على الأقضية ذات الأغلبية السنية والدرزية من حيث انفلاش النزوح ولو بشكل أكبر بكثير، وبالتالي تعتبر قضية النزوح شاملة ووطنية بامتياز، وليست مسيحية فقط، ولو كان الصوت المسيحي هو الأعلى في الفترة الأخيرة.
وهناك مقولة شهيرة في لبنان، وهي أنّ من كان له الفضل الأكبر في إخراج الإنتداب الفرنسي من لبنان عام 1943 هم الموارنة، رغم المطالبة الإسلامية بالتحرّر من الإنتداب، ومن ساهم بشكل كبير في خروج جيش الإحتلال السوري من لبنان عام 2005 هم السنة بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، على رغم دفع المكوّن المسيحي الثمن الأكبر في المقاومة.
وبعد إرتفاع الصرخة المسيحية نتيجة الإنفلاش السوري في الأقضية ذات الأغلبية المسيحية، خصوصاً في جبل لبنان والشمال المسيحي، تدعو قيادات مسيحية كنسية وسياسية المعتدلين السنة إلى لعب دورهم الإنقاذي والتصدّي لمن يريد الفتنة والإصطياد في الماء العكر، فالقيادات السنية هي أكثر قدرة على معالجة هذا الموضوع بحكمة وبتطبيق القانون. وهذا الرأي لا يتوقّف على فريق مسيحي واحد، بل هو موقف الأغلبية الساحقة من القيادات المسيحية سواء بكركي أو مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس أو القيادات السياسية مثل «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» والكتائب اللبنانية.
وعلى رغم موجات الغضب التي تجتاح الشارع المسيحي، كان الرهان وما زال على الدولة، وهذا الأمر تجسّد بتواصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، وتجسّد بزيارة النائبة ستريدا جعجع الوزير مولوي لطرح خطة للنزوح، وأيضاً يتمثل الرهان على الدولة والمعتدلين السنة بمناشدة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الدائمة ميقاتي والحكومة اتخاذ إجراءات رادعة في ما خصّ الفلتان المستمر. ويضاف كل ذلك إلى تواصل «التيار الوطني الحرّ» الدائم مع وزير الداخلية لمتابعة ملف النزوح.
لا تريد القيادات المسيحية الوصول إلى حالة صدام على الأرض، وفي المقابل يحمل ميقاتي ومولوي، بوصفهما من قوى الإعتدال السني، مسؤولية وطنية مضاعفة، فإذا تحرّكت الدولة وطبّقت تعاميمها يُسحب فتيل التوتر عن الأرض، أما في حال صرف النظر والنكس بالوعود فعندها سينفجر الوضع في أي لحظة.
شاء القدر وضع كلّ من ميقاتي ومولوي في موقع المسؤولية في هذه الفترة، في حين يُعتبر موقف دار الفتوى متقدماً في حماية النازحين من الإعتداءات في مقابل العمل على ضبطهم وتأمين العودة الآمنة لهم إلى بلادهم، وهذا الموقف توافق عليه الأغلبية الساحقة من القيادات السنية، وبالتالي الغطاء الوطني والسني مؤمّن لميقاتي ومولوي بشكل كبير، وينتظر الجميع كيف سيكون تواصل ميقاتي مع الدول الخارجية من جهة، وما هي الإجراءات التي ستتخذها الدولة اللبنانية على أرض الواقع؟.